الأحد, 22 يونيو 2025 12:43 PM

بعد سقوط نظام الأسد: لماذا يتردد لاجئون سوريون في الأردن بالعودة إلى ديارهم؟

بعد سقوط نظام الأسد: لماذا يتردد لاجئون سوريون في الأردن بالعودة إلى ديارهم؟

"أحن لسوريا، ولكن عندما أفكر في العواقب أقول لنفسي: خليني هون أحسن"، بهذه الكلمات تعبر اللاجئة السورية في الأردن، ريهام، عن عدم رغبتها في العودة إلى بلدها في الوقت الحالي أو في المستقبل القريب. وتشاركها هذا الشعور رانيا، التي تقول: "لا شيء يشجعني على العودة".

منذ سقوط نظام عائلة الأسد في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، شهدت حركة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم تسارعاً من مختلف دول العالم، بما في ذلك الأردن. ومع ذلك، لا يزال بعضهم متخوفاً من الإقدام على هذه الخطوة في الوقت الراهن، مفضلين البقاء في وضع اللجوء.

يشير تقرير "الاتجاهات العالمية"، الذي تصدره المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى أن الجانب المشرق الوحيد يكمن في ازدياد العودة الطوعية إلى الوطن، وخاصة إلى سوريا. وبلغ عدد اللاجئين العائدين إلى سوريا منذ سقوط حكم الأسد وحتى 12 يونيو/حزيران 577,266 لاجئاً. وخلال الفترة نفسها، عاد أكثر من 86 ألف لاجئ سوري من الأردن إلى بلادهم.

في فبراير/شباط الماضي، نشرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) مسحاً إقليمياً حول تصورات ونوايا اللاجئين السوريين في أربع دول، من بينها الأردن، بشأن العودة إلى سوريا. وأظهر المسح أن 27% فقط من اللاجئين السوريين المشاركين لديهم نية للعودة خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، مقارنة بـ 1.7% في مسح العام الماضي.

ريهام، وهو اسم مستعار، تنحدر من قرية خربة غزالة في محافظة درعا السورية، ولكنها كانت تسكن في مخيم اليرموك قرب دمشق قبل وصولها إلى الأردن بصحبة عائلتها في عام 2013، عقب اندلاع "الثورة السورية". أقامت ريهام (39 عاماً) في مخيم الزعتري شمالي الأردن، بعد أن فقدت زوجها برصاص قناص خلال أحداث العنف في سوريا، واصطحبت طفليها إلى الأردن بحثاً عن الأمان.

بعد أكثر من عقد من اللجوء، لا تفكر ريهام في العودة إلى بلدها بعد سقوط حكم الأسد، وتسأل: أين سأسكن؟ "ما عندي بيت، وما عندي مصاري (مال)… بيتي في مخيم اليرموك قرب دمشق على الأرض بعد دماره بشكل كامل خلال الحرب، ومنطقة سكني لا يوجد بها أحد"، تقول ريهام لبي بي سي. ويرى 66% من اللاجئين السوريين في الأردن أن المخاوف بشأن توافر الممتلكات تمنعهم من العودة خلال عام.

أما رانيا الخالدي (45 سنة) من مدينة حلب، والتي وصلت إلى عمّان في عام 2012 بعد عام من اندلاع "الثورة"، فلا تبدي رغبة في العودة لوطنها لأسباب عدة. تعيل رانيا عائلتها بعد وفاة زوجها منذ عام، من خلال إكمال عمله في مجال صنع الصابون الذي تشتهر به حلب، وتقوم ببيعه في عمّان. تقول رانيا لبي بي سي: "بيتي ومشغل زوجي الخاص بالصابون في حلب مدمران بشكل كامل". وتضيف: "لا شيء يشجعني على العودة، وأولادي متعلقون بالأردن… جميع أقاربي في حلب غير موجودين بسبب الوفاة أو السفر والشتات". وتشير رانيا إلى دراسة أولادها في الأردن. أما ريهام فتشير إلى أن نجلها يدرس في الجامعة في تخصص الأمن السيبراني، والآخر يدرس في الصف العاشر. وترى ريهام أن التعليم في سوريا ليس جيداً، مضيفة: "لا يوجد في سوريا تخصص أمن سيبراني حتى يكمل ابني دراسته، ولا توجد وظائف مناسبة لتخصصه الدراسي".

وعبر 41% من اللاجئين السوريين في الأردن المشاركين في المسح عن أن المخاوف بشأن توافر الخدمات، مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والبنية التحتية، تمنعهم من العودة لبلادهم خلال عام. وتتواصل ريهام مع أشخاص في سوريا يخبرونها بمشاكل حالية تتعلق بالكهرباء والمياه.

أما أحمد نعسان الذي يسكن عمّان، فعبر لبي بي سي عن قلقه من عدم توافر المستلزمات الطبية للعلاج والرعاية الصحية. ولا يرى أحمد (55 عاماً) الذي وصل إلى الأردن عام 2012، أن السلم الأهلي متوافر في سوريا ومنطقته في ريف دمشق، وهو ما يثير المخاوف لديه. وتتشارك ريهام مع أحمد في المخاوف الأمنية، متحدثة عن "وجود اغتيالات وقتل" وتصفية حسابات في بلادها. وتشكل المخاوف المتعلقة بالسلامة والأمن مانعاً لنحو 51% من المشاركين في المسح في الأردن من العودة لسوريا خلال عام.

يعمل أحمد في فن الأرابيسك والمشغولات اليدوية الخاصة بهذا الفن، ويبيع أعماله، ويدرب آخرين في هذا المجال، ولديه مشغل في عمّان. "لا أفكر في العودة… وقد تعرض بيتي ومشغلي في سوريا للدمار"، يقول أحمد الذي لديه أيضاً مخاوف اقتصادية. ويضيف: "مهنتي تعد في سوريا حالياً من الكماليات، لأن سوريا في مرحلة البناء". ويبدو على أحمد التعلق بالأردن، ويشير إلى أنه لا يسعى إلى قطع ارتباطه بالأردن حتى في حال عودته. وتشكل التحديات الاقتصادية في سوريا مانعاً لـ 36% من المشاركين في المسح في الأردن من العودة لسوريا خلال عام.

وتعمل السلطات السورية الجديدة، بعد رفع عقوبات غربية عن البلاد، على دفع عجلة التعافي الاقتصادي تمهيداً لبدء مرحلة الإعمار الذي تقدر الأمم المتحدة كلفته بأكثر من 400 مليار دولار، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية فرانس برس. ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في نهاية يناير/كانون الثاني، المجتمع الدولي إلى دعم إعادة الإعمار في سوريا لتسهيل عودة ملايين اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.

وتؤكد ماريا ستافروبولو ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، لبي بي سي، أن قرار العودة للاجئين هو طوعي ويعود للاجئ نفسه. وتحدثت ستافروبولو لبي بي سي، عن نوعين من المخاوف، الأول يتعلق بالاستقرار والأمن، والثاني يتعلق بالظروف الاقتصادية وفرص كسب العيش، والحصول على الخدمات الأساسية. "الأمر يعتمد على المكان الذي يقصدونه، ومدى شعورهم بالأمان الكافي، ويعتمد الأمر على ما هو متاح لهم من خدمات أساسية"، وفق ستافروبولو.

يضغط الأردن الذي يشترك مع سوريا في حدود برية تمتد إلى نحو 375 كيلومتراً، من أجل "ضرورة الاستمرار في دعم اللاجئين والمنظمات التي تعنى بهم والدول المستضيفة، بالتزامن مع العمل المكثف على تهيئة البيئة التي تتيح عودتهم الطوعية إلى بلدهم"، وفق تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي. وهو الأمر الذي تطرق له العاهل الأردني عبدالله الثاني في فبراير/شباط الماضي، عندما بحث مع رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في عمّان "تهيئة الظروف من أجل عودة اللاجئين السوريين".

وانسجاماً مع ذلك، أكدت المفوضية في أبريل/نيسان، عدم تخطيطها لإغلاق مخيمي الأزرق والزعتري، وهما أكبر مخيمين للاجئين السوريين في الأردن. ويسكن في المخيمين قرابة 108 آلاف لاجئ سوري. ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن 534,694 منهم 111 ألف في 4 مخيمات للاجئين السوريين، وفق سجلات المفوضية في مطلع الشهر الحالي. وتقول عمّان إنها تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في البلد المجاور، وذلك في ظل وجود عدد كبير من اللاجئين غير المسجلين لدى الأمم المتحدة.

تتوقع المفوضية عودة قرابة 1.5 مليون لاجئ سوري من الخارج منهم 200 ألف من الأردن بحلول نهاية 2025. وأطلقت المفوضية في يناير/كانون الثاني 2025 مبادرة لتوفير المواصلات، وفق حديث الناطق الإعلامي للمفوضية في الأردن يوسف طه، لبي بي سي. ويوفر برنامج النقل التابع للمفوضية خدمات نقلٍ مجانية للاجئين السوريين الذين يتقدمون بطلباتٍ للعودة الطوعية إلى سوريا. وقدمت المفوضية حتى الآن مساعدةً في النقل لقرابة 2800 لاجئ، بحسب طه. وتُقدم المفوضية استشاراتٍ للعودة، تشمل مشاركة معلومات مُحدثة ومُوثّقة حول الأوضاع في مناطق العودة، وتقديم المساعدة القانونية، وضمان الدعم عند المعابر الحدودية، بحسب طه. وتقول المفوضية إن هذه الجهود تهدف إلى مساعدة اللاجئين على اتخاذ قراراتٍ مستنيرة والعودة بطريقة تحفظ حقوقهم وسلامتهم. كما تشمل الخدمات فحوصات طبية قبل المغادرة، واستشارات فردية حول الأوضاع في سوريا، وحول مراكز المفوضية المجتمعية والخدمات المتاحة للعائدين في سوريا. (BBC)

مشاركة المقال: