الخميس, 4 ديسمبر 2025 09:54 AM

بعد عام على سقوط نظام الأسد: هل تتجه سوريا نحو تحالفات جديدة مع الغرب؟

بعد عام على سقوط نظام الأسد: هل تتجه سوريا نحو تحالفات جديدة مع الغرب؟

القامشلي – نورث برس

يرى محللون أن سوريا شهدت تحولاً سياسياً عميقاً بعد سقوط النظام السابق، مما أدى إلى إعادة تشكيل موازين القوى على الصعيدين الداخلي والإقليمي. ويشير مراقبون إلى أن هذه المرحلة تتجاوز مجرد تغيير في السلطة، بل تمثل انهيار نموذج حكم استمر لعقود، والذي اعتمد على التحالف مع محور محدد ومنطق أمني مغلق، واستخدم الخطاب السياسي كستار لعزلة داخلية وخارجية.

في الوقت نفسه، يرى البعض ضرورة الخروج من منطق المحاور الجامدة والبحث عن سياسة خارجية جديدة تقوم على البراغماتية والتوازن بدلاً من الشعارات. ويلاحظ المتابعون أن سوريا، في ظل سلطة الحكومة الانتقالية بعد سقوط النظام السابق، انتقلت من المحور الشرقي إلى المحور الغربي الأميركي، مما أتاح لها فرصاً جديدة للتواصل مع القوى الدولية والإقليمية وإعادة ترتيب أولويات سياستها الخارجية.

مرحلة جديدة وخيارات دولية

يقول ديميتري بريجع، المحلل السياسي الروسي، إن سقوط النظام السوري السابق لم يكن مجرد نهاية مرحلة في تاريخ سوريا، بل كان زلزالاً سياسياً أعاد تشكيل موازين القوى داخل سوريا وفي المنطقة بأكملها. ويضيف في تصريح لنورث برس: "نحن أمام لحظة تحول لا تعني فقط تغيير الوجوه في السلطة، بل انهيار نموذج حكم كامل قام لعقود على التحالف مع محور محدد، والارتهان لمنطق أمني مغلق، واستخدام خطاب الممانعة كغطاء لعزلة داخلية وخارجية".

ويشير بريجع إلى أن هذا النموذج أجبر سوريا على الخروج من منطق المحاور الجامدة والبحث عن صيغة جديدة للسياسة الخارجية تقوم على البراغماتية والتوازن بدلاً من الشعارات والمزايدات، موضحاً أن المرحلة الجديدة تتطلب قراءة معمقة للمشهد الدولي والإقليمي.

صورة معقدة

يوضح بريجع أن "المشهد لا يقتصر على انتقال سوريا من المحور الشرقي إلى المحور الغربي الأميركي، فالصورة أكثر تعقيداً. فالبلاد المنهكة من الحرب تحتاج إلى انفتاح جدي على الولايات المتحدة وأوروبا لرفع العقوبات وإعادة دمج الاقتصاد السوري في المنظومة المالية العالمية وجذب الاستثمارات والتقنيات اللازمة لإعادة الإعمار".

ويضيف: "سوريا لا تستطيع تجاهل وجود روسيا وإيران وتركيا في ملفات الأمن والحدود والطاقة واللاجئين، ولا يمكن شطب هذا الحضور بسهولة، لأن هذه القوى ما زالت تملك أوراق تأثير ميدانية وسياسية واقتصادية لا بد من التعامل معها بعقلانية".

ويشير المحلل الروسي إلى أنه "لم يعد مقبولاً في سوريا الجديدة أن تُربط الخيارات الدولية بخطاب شعاراتي عن محور ثابت ضد محور آخر، بل ينبغي أن تُبنى العلاقات الخارجية على أساس مصلحة وطنية دقيقة تُقاس بلغة الأرقام، حجم الاستثمار، وتيرة إعادة الإعمار، تحسين مستوى المعيشة، خلق فرص العمل، واستعادة دور الدولة ومكانتها في الإقليم".

ويوضح أن هذا يتطلب "انفتاحاً حقيقياً على واشنطن من موقع الشريك القادر على التفاوض، لا من موقع التابع، وفي الوقت نفسه إعادة تعريف العلاقة مع موسكو وطهران وأنقرة لتكون علاقة دولة بدول، لا علاقة ساحة مفتوحة لقوى نفوذ تتصرف فوق الأرض السورية".

تجربة الدول الصغيرة والدرس السوري

يقول سمير أبو صالح، المحلل السياسي السوري، إن فهم واقع الدول الصغيرة يكشف الحاجة المستمرة إلى دعم من قوى أكبر، وهذه الحاجة أساسية لتحقيق استقلالها وتعزيز اقتصادها، وهذه القاعدة التاريخية ساهمت في تشكل محاور وتحالفات دولية عبر الزمن.

ويضيف في تصريح لنورث برس: "هذه المحاور كانت أداة الدول الكبرى لاحتواء الدول الصغيرة على أرضية المصالح المشتركة، وفي الوضع السوري الحالي يختلف، إذ أن عامل الثورة هو صاحب القرار، وبعيداً عن المصالح المشتركة التقليدية، الانتقال السوري من معسكر الدول الشرقية والانزياح المدروس على خلفية عقائدية باتجاه المعسكر الغربي يأتي نتيجة عقائدية الثورة نفسها، بغض النظر عن التحول العميق".

ويوضح أبو صالح أن "الدولة السورية ممثلة بالرئيس أحمد الشرع حددت أهداف هذا التحول تحت حاضنة سياسية واضحة، عمادها وأساسها مصلحة الشعب السوري، في سياق متوازٍ بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم، والعكس صحيح أيضاً".

تحوّل الفاعلين في السياسة الخارجية

يقول ديميتري بريجع إن سقوط النظام السوري لم يكن حدثاً سياسياً فحسب، بل أثّر أيضاً في بنية صناعة القرار، مشيراً إلى أن سقوط النظام فتح الباب أمام دخول أصوات جديدة من دبلوماسيين وخبراء واقتصاديين وممثلين عن القطاع الخاص والمجتمع المدني إلى ملف السياسة الخارجية، مما يمكن أن يحوّلها من أداة حماية سلطة ضيقة إلى أداة لخدمة مشروع وطني أوسع.

ويضيف أن سوريا تحاول الاستفادة من التنافس بين القوى الإقليمية والدولية بدلاً من أن تكون مجرد مسرح لهذا التنافس، فهي تتقارب مع الدول العربية القادرة اقتصادياً، وخاصة في الخليج، لفتح قنوات دعم واستثمار وشراكات طويلة الأمد، وتستخدم علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة للحصول على التكنولوجيا والتمويل والخبرات، وفي الوقت نفسه تحافظ على مستوى محسوب من التواصل مع روسيا وإيران وتركيا والصين، بما يمنع عزلها عن أي معادلة إقليمية كبرى.

مهمة غير سهلة

يرى بريجع أن هذه المهمة ليست سهلة، لكنها الطريق الوحيد لبناء استقلالية حقيقية في القرار السوري بعد عقود من الارتهان لمحور واحد. ويقول: "سقوط نظام الأسد لم يكن خط النهاية، بل خط البداية لمرحلة أصعب وأعمق، إنها مرحلة البحث عن صيغة لدولة لا تريد أن تكرر مأساة التبعية القديمة، ولا أن تستبدل محوراً بآخر دون تغيير في الجوهر، إذا نجحت النخب الجديدة في ترسيخ منطق التوازنات الذكية واستغلال كل نافذة انفتاح من موقع الندية والمصلحة الوطنية، يمكن لسوريا أن تولد من جديد كدولة مستقلة القرار تستثمر علاقاتها الخارجية لخدمة شعبها، أما إذا أعيد إنتاج منطق المحاور نفسه بوجوه وشعارات مختلفة، فسيكون سقوط النظام مجرد حلقة في سلسلة أزمات أطول".

بينما يقول سمير أبو صالح إن "الإعلان عن استقلال القرار السوري وعدم انزياحه لأي طرف هو نهج ثوري حقيقي ينسجم مع شعارات الثورة، والقول والعمل لاستقلالية القرار كدولة يمثل نموذجاً متقدماً، تصبح خلاله الادعاءات باطلة إذا ما بعدت عن الإعلان الرسمي للعهد الجديد، فلا غربية ولا شرقية، بل توازن محسوب وثبات من أجل تحقيق مصالح الوطن العليا".

إعداد وتحرير: عبدالسلام خوجة

مشاركة المقال: