الإثنين, 17 نوفمبر 2025 01:01 AM

تجار يستغلون مزارعي القطن في شمال سوريا وسط غياب الدعم الحكومي

تجار يستغلون مزارعي القطن في شمال سوريا وسط غياب الدعم الحكومي

عنب بلدي – رأس العين: يواجه مزارعو القطن في مدينتي رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا ما يصفونه بـ "استغلال" من قبل التجار، حيث يشترون محاصيلهم بأسعار منخفضة لا تغطي تكاليف الإنتاج. وفي ظل هذا الوضع، يشتكي المزارعون من عدم تدخل الجهات المعنية والحكومة السورية لشراء محاصيلهم بأسعار عادلة.

يعرب المزارعون في المنطقة عن قلقهم من الخسائر "الكبيرة" التي قد تلحق بهم، خاصة مع الانخفاض المستمر في أسعار الشراء، والتي تتراوح حاليًا بين 500 و550 دولارًا أمريكيًا للطن. ويخشون من استمرار هذا التراجع دون أي تدخل حكومي يضمن تسويق محصولهم بأسعار منصفة، مما قد يدفع الكثيرين إلى التخلي عن زراعة القطن في الموسم القادم.

سعر لا يناسب التكاليف

عمران السلوم، وهو مزارع من قرية تل ذياب شرقي رأس العين، قام بزراعة القطن على مساحة 40 دونمًا (الدونم الواحد يساوي 1000 متر مربع). ومع ذلك، لم يتجاوز إنتاج الدونم الواحد 220 كيلوغرامًا، بعد أن كان في المواسم السابقة يتراوح بين 450 و500 كيلوغرام. يرى عمران أن الأسعار التي يفرضها التجار تثقل كاهله، حيث يؤكد أن تكلفة زراعة الدونم الواحد تصل إلى حوالي 72 دولارًا، وهو مبلغ لا يغطي حتى نفقات الزراعة الأساسية من محروقات وأسمدة وأجور عمال. يناشد عمران الحكومة السورية بالتدخل وشراء القطن من المزارعين بأسعار منصفة تضمن استمرارهم في الزراعة وتعويضهم عن الخسائر الكبيرة التي تكبدوها هذا الموسم.

من جانبه، يصف عادل العساف، وهو مزارع من قرية الطويحينة شمالي تل أبيض، سعر القطن الذي حدده التجار بأنه "عملية نصب" على الفلاحين. وأوضح لعنب بلدي أن السعر المعلن لا يتناسب مع التكاليف الزراعية التي تحملها في أرضه المزروعة بمساحة 50 دونمًا، والتي لم ينتج منها سوى عشرة أطنان فقط. وأضاف أن موسم القطن هذا العام أثقل كاهله بالديون التي تجاوزت 7000 دولار أمريكي، وهو مبلغ يعجز عن سداده. وبعد أن فقد الأمل في تعويض خسائره، اضطر إلى بيع نحو 20 دونمًا من أرضه الزراعية لتسديد الديون الناجمة عن الموسم الخاسر، بالإضافة إلى السعر المنخفض الذي وصفه بـ "الكارثي".

وفقًا لتقرير سابق أعدته عنب بلدي، تضرر الموسم هذا العام بسبب دودة القطن بنحو 40% من المحصول في رأس العين، التي قُدّرت مساحتها بـ 70 ألف دونم، بحسب ما ذكره رئيس مدير الزراعة والثروة الحيوانية، عمر حمود، حينها.

750 دولارًا لتغطية التكاليف

المهندس الزراعي معصوم الحلي، الذي يمارس عمله منذ 15 عامًا في رأس العين وتل أبيض، صرح لعنب بلدي بأن هذا الموسم سجل انخفاضًا غير مسبوق في إنتاج وأسعار القطن منذ عام 2008. وأضاف أن نحو 90% من المحاصيل لم يتجاوز إنتاجها 200 كيلوغرام للدونم الواحد، وهو معدل منخفض بشكل كبير مقارنة بالمواسم السابقة. وأوضح أن زراعة القطن تصبح غير مربحة إذا كان الإنتاج أقل من 350 كيلوغرامًا، وأن السعر المناسب يجب أن يصل إلى 750 دولارًا أمريكيًا للطن على الأقل لتغطية التكاليف. وأشار الحلي إلى أن غياب الدعم وعدم وجود جهة حكومية لتصريف المحصول يزيدان من معاناة المزارعين، خصوصًا مع اقتصار عمل المجالس المحلية على الخدمات الأساسية وعدم قدرتها على شراء المحاصيل.

أكثر ما يؤرق قطاع الزراعة في رأس العين وجارتها تل أبيض هو التصحّر الذي ضرب مئات آلاف الدونمات، بالإضافة إلى أراضٍ طالتها تكهفات وانهيارات أخرجتها عن الخدمة، وعززتها عوامل اقتصادية من ارتفاع تكاليف الاستصلاح واستخراج المياه، وعوامل بشرية من استنزاف للمياه الجوفية وتقصير الجهات المسؤولة، وعدم اهتمامها بالتربة والفلاح والمحصول.

تكدس محصول القطن

يواجه تجار القطن في رأس العين وتل أبيض صعوبة في تصريف المحصول، بسبب حصار "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وغياب المنافذ التجارية، ما أدى إلى تكدس كميات من القطن وزيادة الخسائر. عدنان الإبراهيم، وهو تاجر قطن في رأس العين وتل أبيض، قال لعنب بلدي إن انخفاض السعر العالمي للقطن وتدني أسعاره خلال العام الماضي والحالي، بالإضافة إلى الضيق الجغرافي للمدينتين، هي من أسباب تكدس محصول العام الماضي وانخفاض سعر الشراء الحالي. وأضاف إبراهيم أنه في العام الحالي لم يشترِ من المدينتين سوى 120 طنًا من القطن، ورغم الكميات القليلة، لم يتمكن من تصريفها خارج حدود المدينتين. وأشار إلى أن شراء القطن بسعر 700 دولار للطن غير ممكن، إلا في حال تأمين طريق لنقله إلى الداخل السوري أو إلى تركيا.

وتعيش مدينتا تل أبيض ورأس العين حصارًا من قبل "قسد" منذ عام 2019، وذلك عقب عملية "نبع السلام" العسكرية التي أطلقها "الجيش الوطني السوري" بدعم من تركيا (الذي انضم إلى وزارة الدفاع في الحكومة السورية). وتُعدّ الحدود التركية المنفذ الوحيد للمنطقة إلى العالم الخارجي.

مشاركة المقال: