خلص بحث أجراه الباحث “عمر الحلاج” تحت عنوان “الاستثمارات الأجنبية لا تكفي، نحو تمويل مستدام يستجيب لاحتياجات المجتمع في سوريا” إلى مجموعة من التوصيات المستوحاة من تجارب إعادة الإعمار في دول أخرى.
يبدأ البحث، الذي نشرته مؤسسة “لوغاريت البحثية”، بتسليط الضوء على هشاشة الاقتصاد السوري، حيث يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر و55% في فقر مدقع. ويشير إلى أهمية أخذ وضع الفئات الأكثر فقراً في الاعتبار عند تطوير أي رؤية للتعافي في “سوريا”.
ويوضح البحث أن غالبية السكان عرضة لتبعات التضخم المتزايد، وأن تدفق الأموال السريع إلى البلاد، خاصة نحو القطاعات التي لا تولد أثراً اقتصادياً واسعاً أو فرص عمل ملموسة، لن يحسن الأوضاع المعيشية بالضرورة. بل قد يخلق هذا التدفق نزاعات تضخمية تزيد من تهميش الفقراء وتترك آثاراً غير متكافئة، خاصة على النساء. وفي هذا السياق، قد يؤدي التسرع في تحرير الاستثمارات وتقديم إعفاءات ضريبية شاملة وامتيازات غير مشروطة إلى ضرر مجتمعي أكبر من النفع.
مخاطر الإعفاءات الضريبية الشاملة للمستثمرين
يشير الباحث إلى مقترح قيد النقاش حالياً بمنح إعفاءات شاملة تصل إلى 80% لجميع المستثمرين القادمين إلى “سوريا” ولمدد زمنية غير محدودة، دون تمييز بين من يساهم في تحقيق أهداف تنموية استراتيجية وبين من يعمل في قطاعات عالية الربحية.
ويحذر “الحلاج” من أن هذا المقترح يضعف القاعدة المالية للدولة في وقت تعاني فيه الإيرادات العامة من تراجع حاد، مما قد يدفع الدولة إلى أشكال غير مباشرة ورجعية من الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة، التي تؤدي إلى تعميق الفجوة الاجتماعية. كما أن تقديم إعفاءات موحدة لجميع المستثمرين لا يأخذ في الاعتبار تنوع نماذج الاستثمار، في حين أن عدم ربط حوافز الاستثمار بالأداء يضعف آليات المساءلة. ويبين أن هذا الأمر ينذر باقتصاد مزدوج يتكون الأول من جيوب محمية وغنية بالحوافز معزولة عن المصلحة العامة، والثاني من مناطق وسكان يعانون الفقر ويتحملون أعباء الخلل المالي الناتج عن ضعف عائدات الدولة وارتفاع تكاليف المعيشة.
ولتجنب هذا المسار، يرى “الحلاج” أنه يجب أن تتضمن السياسات الاستثمارية شروطاً واضحة وضمانات للشفافية وتمييزاً قائماً على الأداء.
الاستراتيجية الاستثمارية القوية
يدعو الباحث إلى استخدام 3 أدوات سياساتية مترابطة لتوجيه هيكلية الاستثمار في سوريا: الأولى، حوافز استثمارية تفاضلية تعطى للقطاعات والمناطق ذات الأولوية؛ والثانية، الائتمان المدعوم عبر المصرف المركزي؛ والثالثة، نظام ضريبي شفاف وعادل.
دور اللامركزية
يحذر الباحث من خطر تهميش الحكومات المحلية (“مجالس محلية، محافظات”) والتركيز على الدولة المركزية كبوابة وحيدة للاستثمار، مبيناً أن المشاريع التي تنفذ دون مشاركة مؤسساتية محلية أكثر عرضة للتأخير أو الرفض أو الفشل التام، خاصة حين تمس الموارد المجتمعية المحلية مثل الأراضي ومصادر المياه والتراث.
ويؤكد “الحلاج” ضرورة دمج الإدارات المحلية في منظومة الحوكمة الاستثمارية، ليصبح الاستثمار محركاً لإعادة الإعمار بدلاً من أن يكون مصدراً جديداً للتهميش. ويقترح الباحث سلسلة تدابير بهذا الشأن، تبدأ بتمثيل السلطات المحلية في لجان الموافقة على الاستثمارات، وإجراء مشاورات محلية إلزامية في المشاريع الكبرى، وتضمين أحكام قانونية تمنع تخصيص الأراضي العامة أو البلدية للاستثمار دون موافقة الجهة المحلية المختصة، وتحديد أدوار إدارية واضحة للمؤسسات المحلية في متابعة تنفيذ المشاريع، وإنشاء آليات تظلم تمكن السكان من رفع شكاواهم على المستوى المحلي.
ضرورة الشفافية ومخاطر الفساد
يحذر الكاتب من مخاطر احتكار الفاعلين السياسيين المتنفذين للفرص الاستثمارية وإقصائهم للشركات المتوسطة والصغيرة أو الجهات المجتمعية الفاعلة، ولضمان أن تخدم الاستثمارات أهدافاً اجتماعية أوسع يقترح عدة أدوات مثل تقييمات الأثر الاجتماعي، وإجراء جلسات استماع علنية، ووضع معايير شفافة لاختيار المشاريع وتقديم الحوافز، ووضع آليات تظلم، وفرض مراجعة بيئية للمشاريع.
التوصيات
يدعو الباحث في الختام إلى حوكمة اقتصادية شاملة ويقترح 6 توصيات للسلطات السورية والمجتمع الدولي المانح وهي: اعتماد حوافز استثمارية موجهة للقطاعات والمناطق ذات الأولوية، وربط الحوافز المالية بأداء قابل للقياس، وتعزيز دور البنك المركزي وحماية الاستقرار المالي والنقدي، وتمكين السلطات المحلية كشركاء في إدارة الاستثمار وإرساء آليات للشفافية والمساءلة، وتعزيز الاستثمار التمثيلي والعادل والمتجذر محلياً.
يشار إلى أن السلطات السورية تؤكد في تصريحات مسؤوليها أنها ستعمل على تقديم كافة التسهيلات للمستثمرين بما في ذلك وضع قانون جديد للاستثمار بهدف جذب رؤوس الأموال الأجنبية والسورية في الخارج إلى البلاد للمساهمة في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار.