تواصل لجنة مكلفة من قيادة الجيش اللبناني تحقيقاتها في ملابسات الانفجار الذي هزّ مخزن أسلحة في وادي زبقين يوم السبت الماضي، والذي أسفر عن استشهاد ستة عسكريين وإصابة اثنين آخرين. يدرس المحققون عدة فرضيات، من بينها احتمال وقوع خطأ تقني أثناء نقل الذخائر من المخزن لتحميلها في آليات الجيش، بالإضافة إلى فرضية وجود ذخيرة مفخخة.
تشير مصادر معنية إلى أن الانفجار وقع في اليوم الرابع من مهمة كان يقوم بها فوج الهندسة واللواء الخامس لتفكيك مدفع داخل منشأة للمقاومة، ونقل عشرات القذائف التي كانت في حالة جيدة. استندت هذه المهمة إلى إحداثيات قدمتها الوحدة الفرنسية في قوات اليونيفل، والتي كانت قد كشفت على الموقع قبل أسبوعين تقريبًا.
في ذلك الوقت، انتشرت صور تظهر جنودًا فرنسيين في مواقع عسكرية داخل الأحراج والأودية، وبجوارهم ذخائر. ووفقًا للمصادر، فإن الفرنسيين في اليونيفل نسقوا مع قيادة القوات الدولية ومع لجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار، وطلبوا من الجيش اللبناني الكشف على الموقع في إطار الآلية المشتركة لسحب سلاح المقاومة من جنوب الليطاني.
على مدار أيام، قام الفرنسيون باستكشاف الوادي الكثيف بين زبقين ومجدل زون، وعملوا على الكشف عن محتويات الموقع ونقل بعضها، ثم طلبوا من الجيش استكمال المهمة. وكما هو معتاد، واكبت دورية من الوحدة الفرنسية مهمة الجيش من بعيد في الأيام الأولى، ولكنها تخلفت عن الحضور في اليوم الأخير.
تنتظر التحقيقات سماع وجهة النظر الفرنسية حول أسباب الانفجار. وتعمل قيادة الوحدة الفرنسية على إعداد تقرير لتقديمه إلى قيادة الجيش، يحدد دورها في الموقع منذ اكتشافه وحتى وقوع الانفجار. يذكر أن الدور الفرنسي يثير تساؤلات حول فرضية التفخيخ التي روج لها خصوم المقاومة، والتي تزعم أن المقاومين نصبوا كمينًا لعناصر الجيش أو للعدو الإسرائيلي.
من جهة أخرى، تعارض إسرائيل والولايات المتحدة التجديد التلقائي لولاية قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. وأبلغتا أعضاء مجلس الأمن بمعارضتهما، وطالبتا بفتح نقاش حول جدوى استمرارها قبل جلسة التمديد المرتقبة هذا الشهر. ويهدف هذا التحرك، وفقًا لتقرير نشرته «جيروزاليم بوست»، إلى استبدال سياسة التمديد الروتيني بمراجعة لأداء القوات وإمكانية اعتماد مسار جديد.
وقال دبلوماسي مطلع على المحادثات للصحيفة إن هذا الموقف يعود إلى الفشل الطويل الأمد لليونيفل في منع تسرب حزب الله إلى جنوب لبنان، وفي فرض سيادة الحكومة اللبنانية هناك. وتؤكد واشنطن وتل أبيب أن «اليونيفل»، التي أنشئت قبل نحو خمسة عقود كقوات مؤقتة، أخفقت في تحقيق أهدافها الأساسية، وبدلاً من أن تكون حاجزًا يمنع تسليح حزب الله جنوب نهر الليطاني، أصبحت طرفًا سلبيًا يتجنب ممارسة صلاحياته ويرفع تقارير «جزئية» إلى مجلس الأمن لا تعكس الواقع الميداني.
وتشير الصحيفة إلى أنه منذ تكليف القوات خلال حرب لبنان الثانية عام 2006 بمنع إعادة تسليح حزب الله، لم تتخذ اليونيفل أي خطوات مباشرة لمساءلة المنظمة بشأن أسلحتها.
يذكر أن فرنسيي اليونيفل يمتلكون أحدث تقنيات الرصد والمسح ويعتمدون إجراءات السلامة العالية قبل تنفيذ أي مهمة. فلماذا لم ينفجر الصندوق المفخخ بالفرنسيين الذين مروا بالموقع قبل الجيش بأيام، علمًا أن كل مهمات الجيش ومن خلفه اليونيفل ولجنة الإشراف لا تنسق مع حزب الله أو مع أي طرف محلي آخر؟
إن انفجار زبقين، وإن لم يكن الأول من نوعه، إلا أنه سلط الضوء على النفوذ الفرنسي في جنوب الليطاني، والذي يبدو وكأنه يتخطى قيادة اليونيفل نفسها. وفي حين أن «الميكانيزم» هي ملعب الولايات المتحدة، تحاول فرنسا تعويض تهميشها عبر اليونيفل. وظهر النفوذ الذي تحاول ممارسته على الجيش، في يارون، حيث صادر الجيش اللبناني آلية إسرائيلية توغلت إلى الأراضي اللبنانية المحررة في أطراف البلدة، إلا أن فرنسيي اليونيفل حاولوا الضغط على الجيش لنقلها إلى مركزهم الواقع عند حدود البلدة قبل إعادتها إلى قوات الاحتلال!
هذه الوقائع تطرح علامات استفهام كثيرة، ينبغي أن تكشفها التحقيقات خلال الأيام المقبلة، إلا في حال كان المطلوب التستر على مؤامرة ضد الجيش لإلقاء التهم على حزب الله، والقول إنه رد على القرار الحكومي بحصرية السلاح، علمًا أن المقاومة سلمت المخزن قبل أيام من انعقاد جلسة مجلس الوزراء، ما يطيح بكل الادعاءات التي يسوقها الفريق الآخر.