الخميس, 4 سبتمبر 2025 04:36 AM

تحوّل تاريخي: الذهب يتجاوز سندات الخزانة في احتياطيات البنوك المركزية العالمية لأول مرة منذ عام 1996

تحوّل تاريخي: الذهب يتجاوز سندات الخزانة في احتياطيات البنوك المركزية العالمية لأول مرة منذ عام 1996

منذ بداية عام 2025، حقق الذهب أداءً متميزًا فاق معظم فئات الأصول الأخرى. فقد ارتفع سعر المعدن النفيس بأكثر من 28% منذ بداية العام، مدعومًا بتزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية، وانخفاض العوائد الحقيقية على السندات، بالإضافة إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية العالمية.

كما ساهم الطلب القوي من البنوك المركزية، خاصة في الاقتصادات الناشئة، في دفع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة تقترب من 3,500 دولار للأونصة، مقتربة من أعلى مستوى تاريخي لها.

يعكس هذا الأداء تحول الذهب من مجرد أصل دفاعي إلى أداة استراتيجية أساسية في إدارة المخاطر وحماية الثروة في ظل بيئة اقتصادية تتسم بالغموض والاضطراب.

للمرة الأولى منذ عام 1996، تجاوزت حصة الذهب في احتياطيات البنوك المركزية العالمية نسبة حيازتها من سندات الخزانة الأميركية. يشكل المعدن النفيس اليوم ما بين 25% و27% من إجمالي الاحتياطيات، مقابل نحو 23% أو أقل فقط للسندات الأميركية، وفقًا لأحدث التقديرات. يعكس هذا التحول اتجاهًا عالميًا متصاعدًا نحو تنويع الأصول وتقليل الاعتماد على الدولار كعملة احتياط مهيمنة، في ظل الضغوط المالية الناتجة عن ارتفاع الدين العام الأميركي وتزايد العجز في الموازنة.

من الناحية الاستراتيجية، لا يمثل هذا التغير مجرد تبديل في مكونات الاحتياطيات، بل يعكس اتجاهًا أعمق نحو إعادة تشكيل النظام المالي العالمي، حيث يستعيد الذهب مكانته كأصل محوري في سياسات البنوك المركزية.

للمقارنة، بين عامي 2008 و2015، كان هذا المعدل يتراوح ما بين 10% للذهب و30% لسندات الخزانة الأميركية على التوالي، قبل أن يتبدل المشهد جذريًا لصالح المعدن الأصفر في السنوات الأخيرة.

كما أن التحركات السياسية والاقتصادية الأخيرة زادت من وتيرة هذا التحول. فالرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن بنسبة 50% على الهند مثلت إشارة جديدة إلى تعمق الانقسام بين الشرق والغرب، مما يعزز من اندفاع الاقتصادات الناشئة نحو بناء احتياطيات قائمة على الذهب والمعادن الثمينة كجزء من عملية “التخلي عن الدولار” أو على الأقل تقليص هيمنته المطلقة على النظام المالي العالمي.

وزادت بيانات سوق العمل الأميركية الأخيرة من تعقيد المشهد. فعلى الرغم من استمرار خلق وظائف جديدة، أضاف الاقتصاد نحو 73,000 وظيفة فقط في تموز/يوليو، مع ارتفاع معدل البطالة من 4.1% إلى 4.2%، في حين استمر نمو الأجور عند 3.9% سنويًا. هذا المزيج بين تباطؤ التوظيف وضغوط الأجور يعزز المخاوف من بيئة ركود تضخمي، ويدفع المستثمرين والبنوك المركزية إلى زيادة الاعتماد على الذهب كخيار استراتيجي يعوض تراجع الثقة في الدولار وأدوات الدين الأميركية.

التوقعات المتزايدة بأن يقوم الاحتياطي الفيديرالي بخفض أسعار الفائدة في أيلول/سبتمبر أضافت زخمًا إضافيًا إلى تحركات الذهب. فأسواق العقود الآجلة تسعر حاليًا احتمالًا يتجاوز الـ 80% لخفض بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع أيلول، مع بقاء احتمالات خفض أكبر مطروحة ولكن بنسبة أقل. ويأتي ذلك في وقت يتعرض فيه الفيديرالي لضغوط سياسية غير مسبوقة من البيت الأبيض، بالتزامن مع إشارات جيروم باول الأخيرة التي فتحت الباب أمام تيسير السياسة النقدية. هذا المشهد انعكس على منحنى العائد الأميركي، حيث تراجعت عوائد السندات لأجل عامين و10 أعوام، في إشارة إلى تزايد الرهانات على تباطؤ النمو الاقتصادي. وفي مثل هذه البيئة، التي تتسم بانخفاض العوائد الحقيقية وتراجع جاذبية الدولار، يظل الذهب أبرز المستفيدين باعتباره أصلاً استراتيجيًا للتحوط وحفظ القيمة.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبقى الأنظار هذا الشهر شاخصة نحو تقرير الوظائف الأميركية يوم الجمعة 5 أيلول 2025، الذي سيمنح إشارات أوضح حول متانة سوق العمل، وإلى أي مدى تتعزز مخاوف الركود التضخمي. لكن الحدث الأبرز سيظل اجتماع الاحتياطي الفيديرالي يومي 16 و17 أيلول، إذ يترقب المستثمرون قرارًا محتملًا بخفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من عامين. وبين ضغوط التضخم، وتباطؤ النمو، والانقسامات الجيوسياسية، سيحدد هذان الحدثان المسار القصير المدى لأسواق المال، فيما يبقى الذهب هو المرشح الأبرز ليكون البوصلة الاستثمارية في مواجهة كل هذا الغموض.

(*) ميشال صليبي كبير محلّلي الأسواق المالية في FxPro، محاضر جامعي في لبنان وفرنسا

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: