الأحد, 13 يوليو 2025 12:50 PM

تحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا: دعم حكومة الشرع ورفض الفيدرالية

تحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا: دعم حكومة الشرع ورفض الفيدرالية

في تصريحات لافتة، كشف المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، السفير توماس باراك، عن تحول كبير في الموقف الأمريكي تجاه التطورات في سوريا. أكد باراك دعم الولايات المتحدة للحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، ورفض أي محاولات لإنشاء "دولة داخل الدولة" أو اعتماد نظام فيدرالي في سوريا. هذه التصريحات، التي أدلى بها باراك خلال لقاء صحفي في نيويورك، أثارت تساؤلات حول الدور الأمريكي الجديد في سوريا والأهداف الاستراتيجية وراء هذا التحول.

تحول استراتيجي في السياسة الأمريكية

علق أحمد العربي، الكاتب والمحلل السياسي، على هذا التحول في حديث لمنصة سوريا ٢٤، قائلاً: "إن الموقف الأمريكي الذي تبلور بعد سقوط النظام السابق في سوريا ووصول ترامب إلى رئاسة أمريكا، يعلن عن سياسة لتجاوز الصراعات والوصول إلى شراكات إقليمية ودولية مصلحية، مع حل النزاعات التي استمرت لعقود." وأضاف: "لقد كان لسقوط النظام السابق في سوريا وانتصار الثورة السورية دور في إعادة تموضع الأطراف الإقليمية والدولية حول سوريا."

وأشار العربي إلى مسارين رئيسيين ظهرا بعد سقوط النظام السابق، لكل منهما أهدافه وتوجهاته:

  • المسار الإسرائيلي الإماراتي: يهدف إلى تقسيم سوريا إلى كيانات مستقلة أو حكم ذاتي قوي مرتبط بمصالح إقليمية ودولية، بما يشمل:
    • دولة كردية في شمال شرق سوريا تعتمد على "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)"
    • دولة علوية في الساحل السوري
    • دولة درزية في الجنوب السوري
    • دولة فيما تبقى من سوريا (دمشق وبعض المناطق) تحت إدارة مركزية ضعيفة
  • المسار التركي القطري: يرى في الحفاظ على وحدة سوريا تحت إطار دولة واحدة وسلطة وطنية حاكمة فعليًا الخيار الأمثل لتحقيق الاستقرار، وهو المسار الذي انتصر في الحسابات الأمريكية وأصبح أساسًا للمقاربة الجديدة.

ورأى العربي أن: "المسار الثاني انتصر في الحسابات الأمريكية، وجاء السفير باراك ليتابع التنفيذ على الأرض، على أساس ضمان مصلحة السوريين، وإطلاق عجلة الإعمار والبناء والتقدم، وحل مشكلة تركيا بأن لا تكون سوريا بؤرة للإرهاب (حزب العمال الكردستاني وغيره)، وأن تضمن إسرائيل حدودًا مسيطرًا عليها، مع العمل للوصول إلى اتفاق سلام إسرائيلي، أو العودة إلى اتفاق فك الاشتباك السابق المبرم زمن كيسنجر عام 1974، وكذلك علاقات حسن الجوار ورعاية المصالح المتبادلة مع الأردن ولبنان والعراق… الحال يسير وفق هذا السياق برعاية أمريكية دائبة."

الموقف الأمريكي بين الماضي والحاضر

أوضح باراك أن الولايات المتحدة لا تتحمل مسؤولية سقوط نظام الأسد السابق، بل إنها "وجدت نفسها أمام واقع سياسي جديد" يتمثل في صعود حكومة أحمد الشرع إلى السلطة في دمشق. وجدد التأكيد على أن "كل مرة تدخلنا فيها لتغيير نظام، فشلنا"، في إشارة إلى دروس الماضي في العراق وأفغانستان، مما يعكس تحولًا في الاستراتيجية الأمريكية من التدخل المباشر إلى دعم الحلول المحلية والسياسية المنظمة.

الرفض الصريح للفيدرالية والكيانات الموازية

من أبرز النقاط في تصريحات باراك هو التأكيد على رفض واشنطن أي شكل من أشكال الفيدرالية أو وجود "دولة داخل الدولة"، وهو ما يُفهم منه رفضها الضمني للوجود الكردي المستقل في شمال سوريا، والذي كان يحظى بدعم أمريكي سابق باعتباره شريكًا استراتيجيًا في مكافحة تنظيم داعش. لكن الآن، يبدو أن الإدارة الأمريكية تعيد النظر في أولوياتها، وتضع الوحدة الجغرافية والسياسية لسوريا فوق كل اعتبار، بما في ذلك العلاقات مع بعض الحلفاء السابقين، وهذا يفتح المجال لاحتمالات إعادة ترتيب الخريطة السياسية في الشمال السوري، وربما دفع القوى الكردية إلى العودة إلى حضن الدولة المركزية في دمشق، تحت ضغوط أمريكية.

ويأتي الدعم الأمريكي للرئيس أحمد الشرع كخطوة استراتيجية لتعزيز استقرار النظام السياسي الجديد في سوريا، خاصة بعد تصاعد قدراته العسكرية والسياسية في المناطق الحساسة مثل إدلب، ووصوله إلى دمشق بشكل غير متوقع، كما ذكر باراك. وترى واشنطن في الحكومة الجديدة فرصة لإعادة تشكيل سوريا كـ"دولة موحدة ذات سيادة"، وهو ما ينسجم مع مصالحها في الحد من النفوذ الإيراني، واستعادة الأمن الإقليمي، ودفع عجلة التطبيع الإقليمي، بما في ذلك مع إسرائيل.

التلويح برفع الغطاء عن قسد

من جانبه، قال المحلل السياسي علي تمي، في حديث لمنصة سوريا ٢٤: "إن التصريحات الأخيرة لباراك كانت لافتة ومهمة، الرجل يمهّد بطريقة أو بأخرى لرفع الغطاء عن قسد، إذ ولأول مرة لوّح بعصا غليظة في تصريحاته، وهو وجود طرف بديل عن قسد، لهذا أعتقد أن واشنطن بدأت تبتعد شيئًا فشيئًا عن قسد، وتحاول تركيز علاقاتها مع حكومة المركز بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وبالتالي إغلاق ملف جميع الأقليات." وتابع: "وذكر بالاسم أن الغرب أخطأ في سايكس بيكو، ولن يكرر هذا الخطأ التاريخي، وحتى الرجل عارض مشروع قسد حول الفيدرالية، ولهذا أتوقع أن الأمور ذاهبة نحو رفع الغطاء السياسي عن قسد، والتمهيد لعمل عسكري من قبل أنقرة ودمشق."

ووسط كل ذلك، فإنه من المتوقع أن تشهد الحكومة الجديدة دعمًا أمريكيًا متزايدًا على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، بهدف تمكينها من فرض سلطتها على كامل البلاد.

جزء من عملية تطبيع إقليمي

ويرى باراك أن سوريا يمكن أن تكون جزءًا من عملية تطبيع إقليمي، تشمل علاقات مع إسرائيل ودول الجوار، وهو ما قد يثير ردود فعل غاضبة من بعض القوى المعارضة. الموقف الأمريكي الجديد، كما صاغه المبعوث توماس باراك، يعكس مرحلة انتقالية في السياسة الخارجية الأمريكية، تركز على التهدئة والاستقرار أكثر من التغيير الجذري. وترمي واشنطن من خلال دعمها للحكومة السورية الجديدة إلى تجنيب المنطقة المزيد من الفوضى، وبناء شريك محلي قوي يمكنه ضبط الحدود، واحتواء النفوذ الإيراني، والانخراط في تسوية إقليمية أوسع.

مشاركة المقال: