أثار قرار وزارة الطاقة الأخير بخفض أسعار المشتقات النفطية ردود فعل واسعة في الأوساط الصناعية والاقتصادية، وذلك بعد الإعلان عن بدء تطبيق التسعيرة الجديدة اعتبارًا من 12 تشرين الثاني 2025. وشملت التعديلات تخفيض سعر البنزين أوكتان 90 إلى 0.85 دولار لليتر الواحد بعد أن كان 1.10 دولار، والمازوت إلى 0.75 دولار بعد أن كان 0.95 دولار، بينما انخفض سعر أسطوانة الغاز المنزلي إلى 10.5 دولارات، والغاز الصناعي إلى 16.8 دولارًا.
أكد وزير الطاقة، محمد البشير، أن هذا القرار يأتي في إطار خطة إصلاح شاملة لقطاع الطاقة، تهدف إلى تحسين كفاءة الاستهلاك وتخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين مع اقتراب فصل الشتاء.
من جهته، رحب الصناعي مصطفى حميدي بالقرار، وأوضح في حديث لموقع “سوريا 24” أن الطاقة تشكل نسبة كبيرة من تكلفة الإنتاج، وأن أي تخفيض في أسعارها سينعكس بشكل مباشر على هذه التكلفة، مما يزيد القدرة التنافسية ويؤدي إلى انخفاض الأسعار على المستهلك، بالإضافة إلى خفض تكاليف النقل.
وأضاف حميدي أن هذا القرار، على الرغم من أهميته، ليس كافيًا وحده، مشيرًا إلى ضرورة توفير أنواع أخرى من مصادر الطاقة الصناعية، مثل الفيول والمازوت الصناعي والغاز، في المراحل المقبلة. كما لفت إلى أن مصافي النفط في البلاد تعاني من تهالك وتعمل بتكلفة مرتفعة، وأن جودة المواد المستخرجة منها محدودة، معتبرًا أن الإنتاج الحالي هو "أفضل الممكن قياسًا بالإرث الذي خلّفه النظام السابق".
وكشف حميدي عن توجيهه رسالة رسمية إلى مديرية الصناعة قبل صدور القرار، تتضمن شكاوى العاملين في القطاع من ارتفاع تكاليف الطاقة، والعمل في كثير من الأحيان بهوامش أرباح ضئيلة. وأوضح أن تحديد سعر تنافسي مثالي "غير ممكن في بيئة غير مستقرة مثل سوريا، حيث تتوزع مناطق الاستخراج والمصافي بين سلطات متعددة، وتتعرض طرق الإمداد لتجاذبات سياسية". وأكد أن خفض 20 سنتًا "سيترك أثرًا إيجابيًا على الصناعة والنقل والقطاع الصحي والمشافي، وسيسهم في تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين".
ويرى مراقبون أن انعكاس القرار على الأسعار النهائية يعتمد على مدى التزام التجار، في ظل غياب المنافسة وهيمنة الاحتكار وضعف رقابة السوق، مما يجعل النتائج غير مضمونة بالكامل. وأوضح الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي، فؤاد عبد العزيز، أن خفض أسعار المحروقات "يُفترض نظريًا أن يؤدي إلى انخفاض الأسعار، لأن الطاقة والنقل عنصران أساسيان في كلفة أغلب السلع والخدمات".
لكنه أشار إلى أن الواقع السوري "يعاني تعقيدات بنيوية، أبرزها الاحتكار وغياب المنافسة وضعف الرقابة"، مما قد يدفع التجار إلى الإبقاء على الأسعار على حالها. كما لفت إلى أن عدم استقرار سعر الصرف يشكل "ذريعة دائمة بيد التجار"، بينما قد يستخدمون رفع أسعار الكهرباء سابقًا لتبرير الامتناع عن التخفيض. وبين عبد العزيز أن الانخفاض المرجح سيكون "محدودًا"، لا سيما في قطاع النقل، وهو ما قد يخفف جزءًا من تكاليف المعيشة التي تستنزف نحو 15 في المئة من دخل المواطن.
وأكد أن القرار "اقتصادي بحت"، مرتبط بزيادة إنتاج النفط ومنحة نفطية تجاوزت 1.5 مليون برميل، لكنه شدد على أن خفض الأسعار لن يحقق أثره الكامل "ما لم يترافق مع زيادة الإنتاج المحلي، حتى لا تتحمل الحكومة عبء دعم طويل الأمد يؤثر في خدماتها ومشاريعها".
وختامًا، يمثل قرار خفض أسعار المشتقات النفطية خطوة إيجابية في مسار إصلاح قطاع الطاقة، إلا أنه لا يكفي وحده لإحداث تحول جوهري في السوق ما لم يُستكمل بإجراءات تعزز الإنتاج المحلي، وتحد من الاحتكار، وتضبط حركة الأسعار. وبين تفاؤل الصناعيين الذين رأوا في القرار متنفسًا لكلف الإنتاج، وتحفظ الخبراء الذين يحذرون من تعقيدات السوق السورية، يبقى المواطن الحلقة الأكثر تأثرًا بهذه التغييرات، في انتظار نتائج ملموسة تعكس تحسنًا حقيقيًا في حياته اليومية.