عنب بلدي – شعبان شاميه: يشهد القطاع الصحي في سوريا نقصًا حادًا في أعداد أطباء التخدير في المستشفيات الحكومية والخاصة، وهي أزمة مزمنة لم تجد طريقها إلى الحل منذ سنوات، وتتفاقم مع إعادة تأهيل وافتتاح المستشفيات في المناطق التي كانت خارج سيطرة الحكومة.
قبل تسع سنوات، أطلقت رابطة "أطباء التخدير وتسكين الألم" تحذيرًا لم يلقَ استجابة، مطالبة وزارة الصحة باتخاذ إجراءات عاجلة لسد العجز، من خلال تشجيع خريجي كليات الطب على التخصص في التخدير أو الحد من هجرة الأخصائيين، خاصة إلى ألمانيا. تشير إحصائيات من نقابة الأطباء السورية إلى انخفاض عدد أطباء التخدير بنسبة 24.5%، من 925 طبيبًا في عام 2010 إلى 698 في عام 2024، ويعزو رئيس رابطة أطباء التخدير وتسكين الألم، الطبيب فواز هلال، هذا العزوف إلى "أسباب مادية بشكل رئيس".
بين حكومتين.. مطالب مكررة دون استجابة
أوضح رئيس رابطة أطباء التخدير في حديثه إلى عنب بلدي أن الوعود الحكومية الحالية بتحسين أوضاع أطباء التخدير ما هي إلا تكرار لوعود الحكومات السابقة في عهد النظام المخلوع، دون أي تغيير حقيقي. وأشار إلى خيبة أملهم في رؤية عقلية أكثر إيجابية وانفتاحًا للتعامل مع الأزمة، مؤكدًا أنهم لم يلمسوا أي جدية في حل هذا الملف.
وأضاف أنهم اجتمعوا مجددًا مع نقابة الأطباء وطرحوا المطالب نفسها التي كانوا يطرحونها سابقًا، والتي تتضمن حصول أطباء التخدير في القطاع الخاص على حقوقهم كاملة وفقًا للقانون "5/ت" الصادر عن وزارة الصحة، والذي ينص على فصل الوحدات التخديرية في المستشفيات الخاصة عن الوحدات الجراحية.
وأشار هلال إلى أن طبيب التخدير كان يحصل في الماضي على 30% من أجور الجراح، وهي نسبة غير حقيقية في أغلب الأحيان، نظرًا لأن تفاصيل الاتفاق بين الجراح والمريض لا يعلمها طبيب التخدير إلا نادرًا، والمرجعية المعتمدة هي تعرفة وزارة الصحة، وهي ضئيلة وغير منطقية. وأكد أن فصل الوحدات التخديرية يتيح احتساب أتعاب طبيب التخدير بشكل مستقل، ويغلق الباب على المستشفيات الخاصة لإيقاف الاجتهادات في تفسير نسبة الـ 30%، مثل توزيعها على فنيي التخدير وأسعار المواد المخدرة وأجور صيانة الأجهزة.
أما فيما يتعلق بالاستشارة التخديرية، والتي يطلق عليها مسمى "دراسة ملف"، فإن أجرها (150 ألف ليرة) متروك لتقديرات المستشفى والجراح، علمًا أنها تحصيل حاصل، ولن يبدأ طبيب التخدير عمله قبل القيام بهذه الدراسة.
يحظر القانون السوري على طبيب التخدير فتح عيادة مستقلة، ولكن العرف السائد هو حصول طبيب التخدير على نسبة مئوية من قيمة الأجور العامة بالاتفاق مع الطبيب الجراح.
يرى رئيس الرابطة أن أي قرارات أو تعديلات هي مجرد حبر على ورق إن لم توضع لها آلية تنفيذ، وأن القرارات والتعديلات السابقة الصادرة عن وزارة الصحة لم يكن لها آلية تنفيذ. ويقترح تشكيل لجنة مشتركة من وزارتي الصحة والمالية ونقابة الأطباء السوريين لإلزام المستشفيات الخاصة بدفع مستحقات أطباء التخدير كاملة وتطبيق القرار رقم "5/ت".
هيمنة "مافيا" المستشفيات الخاصة
أوضح هلال أنه بسبب "هيمنة مافيا المستشفيات الخاصة على القرار"، تُسدد أجور أطباء التخدير للمرضى المؤمّنين عن طريق المستشفى الخاص وليس إلى الحساب البنكي لطبيب التخدير، على عكس الجراحين وكل التخصصات الطبية الأخرى. وقد طالبوا بتعديل ذلك مرارًا لتلافي الاقتطاعات التي تقوم بها هذه المستشفيات.
وبعد "نضال طويل"، صدر قرار يشمل الطبيب في غرفة العمليات، لكن وزارة الصحة فسرت العبارة لاحقًا على أنها تشمل الطبيب الجراح فقط وليس طبيب التخدير، معتبرة الأخير موظفًا متعاقدًا مع المستشفى. وكشف هلال عن عدم وجود عقد لطبيب تخدير واحد في المستشفيات الخاصة، بسبب تهرب إداراتها من إبرام العقود، محملاً المسؤولية لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لضمان حقوق طبيب التخدير وحمايته من الطرد التعسفي.
حوافز أقل بـ30 ضعفًا.. ما دور النقابة؟
أكد هلال أن معاناة أطباء التخدير في القطاع الحكومي مستمرة، وتنعكس سلبًا على واقع المهنة، إذ تفوق حوافز الجراحين حوافز أطباء التخدير بـ 20 إلى 30 ضعفًا، بالرغم من أن عدد سنوات الدراسة والاختصاص متساوية، وأن أصحاب كلا التخصصين مصنفون كموظفين فئة أولى وفق القانون الأساسي للعاملين في الدولة، كما أن طبيعة العمل تحمل ذات مخاطر الطبيب الجراح وقد تفوقها في حالات كثيرة.
وعزا غياب دور نقابة الأطباء عن تحصيل حقوق هذا الاختصاص إلى ضغوطات المستشفيات الخاصة عليها، حيث أن معظم النقابيين وأصحاب القرار مرتبطون بهذه المستشفيات، وبالتالي لن يعملوا على إصدار قرارات تتعارض مع مصالحهم الشخصية.
بعد إجهاضه.. قرار يعود إلى طاولة وزارة الصحة
أشار هلال إلى وجود دراسة في وزارة الصحة الحالية تسمح لفنيي التخدير بالعمل في غياب طبيب التخدير، كاشفًا أن الدراسة نفسها كانت موجودة في وزارة التعليم العالي السابقة وقامت بإجهاضها. وأكد أن اتخاذ هذا القرار سيخلق مشكلات قانونية كبيرة، بالإضافة إلى انخفاض التصنيف العالمي للشهادات السورية، وتبعات أخرى داخلية وخارجية.
تمنع المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم "12" لعام 1970، المعروف باسم قانون "مزاولة المهن الطبية"، "فني التخدير" من القيام بأي إجراءات تخديرية بمفرده في الظروف الاعتيادية، لكن نقص الأطباء يدفع المستشفيات الحكومية والخاصة للاعتماد على الفنيين وتغطية بعض مناوبات الأطباء.
يُعرّف "فني التخدير" بأنه خريج معهد متوسط تخصص تمريض وتخدير تلقى تعليمًا يمتد لسنتين بعد الثانوية، وتقتصر مهامه على الجوانب الفنية كالتعامل مع أجهزة التخدير وتحضير غرف العمليات ومساعدة طبيب التخدير، بحسب هلال.
أعرب هلال عن أسفه لعدم تمكنه من إقناع وزير الصحة الحالي بأهمية وخطورة دور طبيب التخدير، وإلا لما كانت هذه الدراسة لتعود إلى أروقة وزارة الصحة بعد إجهاضها، وفق ما ذكره لعنب بلدي.