يبدو أن الولايات المتحدة بدأت في إعادة تقييم استراتيجيتها بشأن الحرب التجارية مع الصين، وهو ما ظهر جلياً في لهجة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومسؤولي إدارته. وبينما تصر بكين على موقفها الثابت منذ بداية النزاع الجمركي، يرى مراقبون أن مواقف ترامب الأخيرة قد تمهد الطريق لمفاوضات تجارية مستقبلية، إلا أن التوصل إلى اتفاق شامل لا يزال بعيد المنال.
أعلن ترامب عن نيته التعامل بـ "لطف شديد" مع الصين في أي محادثات تجارية، مشيراً إلى إمكانية خفض الرسوم الجمركية في حال التوصل إلى اتفاق. ويمثل هذا تراجعاً عن موقفه السابق، خاصة في ظل تقلبات الأسواق. وأكد ترامب أن الرسوم الجمركية ستنخفض بشكل كبير، لكنها لن تصل إلى "الصفر"، واصفاً الرسوم المفروضة على الواردات الصينية بـ "المرتفعة جداً".
كما أكد ترامب أنه "لا حاجة إلى التعامل بخشونة" مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وتعهد بعدم إثارة قضية "كوفيد-19" خلال أي مباحثات قادمة، على الرغم من أن البيت الأبيض أنشأ موقعاً إلكترونياً يروج لفكرة أن الفيروس انطلق من مختبر في الصين، الأمر الذي أثار غضب المسؤولين الصينيين.
نقلت وكالة "بلومبرغ" عن إيليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في "ناتيكسيس"، قولها إن "ترامب يشعر بالذعر بسبب التدهور في الأسواق وارتفاع عائدات سندات الخزانة الأميركية"، وأنه بحاجة إلى التوصل إلى صفقة "وبسرعة". في المقابل، لا تحتاج الصين إلى تقديم الكثير من التنازلات.
وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، اعتبر أن المواجهة الجمركية مع الصين لا يمكن أن تستمر، وأنه سيتعين على أكبر اقتصادين في العالم "إيجاد وسائل لتهدئة التصعيد". وأكد أن خفض التصعيد سيأتي في المستقبل القريب جداً، واصفاً الوضع الراهن بأنه "حصار تجاري".
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قوه جياكون، أكد أن موقف الصين بشأن حرب الرسوم الجمركية "واضح جداً"، مجدداً القول: "نحن لا نريد حرباً تجارية، ولكننا لسنا خائفين منها". وأضاف: "إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقاً حل القضايا عبر الحوار والمفاوضات، فعليها أن تتوقف عن التهديد والابتزاز، وأن تنخرط في حوار مع الصين على أساس المساواة والاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة".
في الصين، أشارت وسائل الإعلام إلى أن ترامب بدأ يتراجع عن "مواقفه المتشددة". وبالمثل، تفاعلت بعض وسائل الإعلام الأميركية مع تصريحات الإدارة الأميركية باعتبارها "نقطة تحول" في موقف ترامب.
أفادت وكالة "بلومبرغ" بأنّ كل "من تحدثنا معهم في بكين يؤيدون بقوة رد الحكومة الصينية على الرسوم الجمركية المرتفعة التي تفرضها الولايات المتحدة".
بالتزامن مع حديث الولايات المتحدة عن أنها في صدد التوصل إلى "اتفاقيات" تجارية مع حكومات حول العالم، كانت الصين تكثف اتصالاتها مع دول عدّة، مشددةً على ضرورة الأخذ في الحسبان مصالحها التجارية في أي اتفاقيات قادمة مع واشنطن.
على الرغم من ذلك، لا ينفي ما تقدم إمكانية بدء مفاوضات تجارية بين "العملاقين" في المدة المقبلة، خاصة مع "تليين" واشنطن لموقفها. وقد يمهد إرسال بكين لمسؤولين كبار إلى اجتماعات "مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي" الطريق لتبادل وجهات النظر وفتح الباب أمام المحادثات التجارية.