الأربعاء, 17 سبتمبر 2025 01:19 PM

تزايد المعالجين النفسيين غير المؤهلين في دمشق: هل يتحول العلاج النفسي إلى تجارة غير منظمة؟

تزايد المعالجين النفسيين غير المؤهلين في دمشق: هل يتحول العلاج النفسي إلى تجارة غير منظمة؟

نورمان العباس ـ دمشق

يشهد مجال الطب والعلاج النفسي في دمشق انتشاراً متزايداً للممارسين غير المؤهلين، مما أثار مخاوف بشأن تحول المهنة إلى نشاط تجاري يفتقر إلى التنظيم. وتسلط هذه الظاهرة الضوء على مشكلة خطيرة تتعلق بغياب المعايير المهنية والرقابة الفعالة، مما يسمح لأفراد غير مؤهلين أكاديمياً وعملياً بفتح عيادات وتقديم خدمات علاجية.

مسؤولية الوزارات

تحمّل سارة أنيس وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والصحة مسؤولية التصدي لظاهرة "المعالج النفسي غير المؤهل". وأكدت في حديثها لنورث برس أن الوضع الحالي يسمح لأي شخص بحضور دورة تدريبية قصيرة، قد لا تتجاوز يومين، ثم يدعي بأنه "معالج ومرشد نفسي"، دون أي ضمانات أكاديمية أو عملية تثبت كفاءته. وطالبت أنيس بسن قوانين وتشريعات صارمة لتنظيم هذه الظاهرة، مع اشتراط الحصول على شهادة جامعية متخصصة كحد أدنى لممارسة العلاج النفسي، مشيرة إلى أن غياب هذه المعايير يشكل خطراً على سلامة المرضى.

أبعاد مجتمعية واقتصادية

ترى مدرسة في جامعة دمشق، في تصريحات لنورث برس، أن العوائق المجتمعية والاقتصادية ساهمت في انتشار هذه الظاهرة. وتعزو انتشارها إلى عاملين رئيسيين: ضعف الوعي المجتمعي بأهمية الصحة النفسية، والوضع المعيشي المتردي. وأوضحت أن الكثير من السوريين غير قادرين على تحمل تكاليف جلسات العلاج النفسي النظامية، مما يدفعهم للبحث عن بدائل رخيصة قد يقدمها أشخاص غير متخصصين. وأعربت معتوق عن تفضيلها الشخصي لمراجعة معالج نفسي مختص بدلاً من الاكتفاء بوصف الأدوية من قبل طبيب.

خطورة الممارسة من غير المختصين

حذّر محمد علي عوض، وهو طالب في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق، في تصريحات لنورث برس، من خطورة ممارسة العلاج النفسي من قبل غير المتخصصين، قائلاً: "الطب النفسي من أكثر المجالات الطبية حساسية وخطورة". وأوضح أن غياب الأخصائيين المؤهلين لا يؤثر فقط على عدم تحسن المريض، بل قد يؤدي إلى تدهور حالته الصحية.

من جانبه، أوضح الدكتور حسام شحادة، الأخصائي في الدعم النفسي ومسؤول ملف تراخيص معاهد الرعاية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة والمراكز النفسية الاستشارية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أن خريجي كليات التربية وعلم النفس لم يحصلوا سابقاً على الفرصة المناسبة لترخيص مراكز للعلاج السلوكي والدعم النفسي، مما دفع الناس نحو عيادات غير مرخصة. وأشار شحادة في تصريح لنورث برس، إلى أن هذا الفراغ أتاح المجال لأشخاص يفتقرون إلى الخبرة، ويحملون شهادات من دورات "أونلاين" غير معترف بها من وزارة التعليم العالي، لممارسة العلاج النفسي بشكل غير قانوني، مما نتجت عنه أخطاء مهنية جسيمة. وشدد على أن تقديم الدعم النفسي، خصوصاً للاجئين والناجيات وفي أوقات الكوارث الطبيعية أو المصطنعة، لا يمكن أن يقوم به إلا مختصون مدربون تدريباً عالياً، مؤكداً أن المعالج النفسي لا يملك صلاحية وصف الأدوية.

وكشف شحادة أن مشروع قرار جديد قد رُفع إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتمت الموافقة عليه، يقضي بترخيص مراكز للدعم والعلاج النفسي لخريجي كليات التربية وعلم النفس. وأضاف أن اجتماعات عُقدت بين وزارات الصحة والتربية والشؤون الاجتماعية والعمل أفضت إلى صياغة مشروع القرار منذ عام 2023، إلا أن تنفيذه تعطل بسبب تضارب المصالح. ولفت إلى أن الرقابة على الممارسات غير الشرعية تراجعت بشكل ملحوظ بعد عام 2017 نتيجة ظروف الحرب، مما أتاح المجال لتسلل غير المؤهلين إلى هذه المهنة الحساسة. وأوضح أن السنوات المقبلة ستشهد تطبيق ضوابط صارمة بحق كل من يمارس المهنة من دون اختصاص. وبيّن شحادة أن عمل المرشد والداعم النفسي بالغ الحساسية، مؤكداً أن الحاصلين على دورات قصيرة لمدة شهر أو شهرين لا يمتلكون الكفاءة المطلوبة لمزاولة المهنة. كما أشار إلى تحديد شروط خاصة بالمراكز المرخصة، مثل الموقع والإنارة والتهوية، إضافة إلى المؤهلات الأكاديمية للعاملين فيها والمحظورات المرتبطة بالمهنة.

واختتم شحادة بالإشارة إلى أن مشروع القرار سيُبصر النور قريباً، مذكّراً بأن خريجي كليات التربية وعلم النفس كانوا في السابق قادرين على افتتاح مراكز استشارية في دول مثل لبنان ومصر، بينما لم يكن ذلك متاحاً لهم داخل سوريا.

تحرير : معاذ الحمد

مشاركة المقال: