على الرغم من التوترات والتحشيدات العسكرية في مناطق شمال شرقي سوريا، تشير مصادر في دمشق إلى أن الحكومة السورية لا تزال تركز على التهدئة. وتؤكد المصادر أن التهدئة في شمال شرقي سوريا تمثل "موقفاً مبدئياً للحكومة السورية صرحت به مراراً وتكراراً"، مستبعدة شن دمشق لعملية عسكرية في المنطقة، مع استمرار المناوشات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والعشائر العربية.
وفي تعليق لـ"الشرق الأوسط"، أوضح عبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز "جسور" والمطلع على مجريات الأمور في مناطق الإدارة الذاتية، أن اجتماع مظلوم عبدي في الرقة مع ممثلي المجتمع المحلي تناول نقاشات حول معايير العفو وملاحظات العشائر ومخاوفهم، بالإضافة إلى جهود قيادة "قسد" لإعادة بناء الثقة مع المكون العربي بعد مؤتمر وحدة موقف مكونات شمال وشرق سوريا، الذي شهد غياب العديد من القيادات والزعامات العشائرية.
يأتي هذا اللقاء بعد سلسلة من الزيارات التي أجرتها قيادات في "قسد" خلال الأيام الماضية، حيث التقت بقيادات عشائرية بارزة مثل شيوخ عشيرة البكارة، والجبور، والعقيدات، وشمر، والنعيم، بالإضافة إلى وجهاء عشائر فرعية وممثلين عن مجالس محلية في الحسكة ودير الزور والرقة، وذلك استعداداً لإصدار عفو عام يشمل تهم الإرهاب والتعاون مع النظام السابق.
حاولت "الشرق الأوسط" التواصل مع المكتب الإعلامي لـ"قسد" للتعليق على خبر الزيارة، لكنها لم تتلقَّ إجابة حتى نشر التقرير. وكانت وسائل الإعلام السورية الرسمية قد نشرت تصريحات للرئيس أحمد الشرع انتقد فيها "بعض" ممارسات "قسد" على الأرض، مشيراً إلى أنها "أحياناً تختلف عما يدور في المفاوضات". وأكد الرئيس الشرع مواصلة المفاوضات حول آلية تنفيذ اتفاق 10 مارس (آذار)، وأن "أشهراً قليلة تفصلنا عن تنفيذ الاتفاق مع (قسد) على الأرض"، مشيراً إلى دفع الأطراف الدولية في اتجاه حل للمشكلة في شمال شرقي سوريا.
تزامنت تصريحات الرئيس السوري، التي جاءت في جلسة حوارية مع أكاديميين وسياسيين وأعضاء من نقابات مهنية ووجهاء من محافظة إدلب، مع ورود أنباء حول زيارة قائد "قسد" مظلوم عبدي إلى مدينة الرقة وعقده لقاء مع شيوخ عشائر ووجهاء في الرقة بترتيب من قوات التحالف الدولي.
وتسود أجواء من التصعيد في مناطق شمال شرقي سوريا مع مواصلة "قسد" تخريج دفعات من المقاتلين والمقاتلات، وشن حملات دهم واعتقالات في مناطق دير الزور والرقة، وسط حالة غليان لدى العشائر العربية المطالبة بتسليم مناطقهم للدولة السورية، ترافقت مع تقارير إعلامية عن تحشيد لقوات وزارة الدفاع السورية في ريفي حلب والرقة، وتأهب القوات التركية على الحدود الشمالية.
نفى السياسي والباحث السوري، رياض الحسن، في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، وجود أي تحشيد للقوات الحكومية في شمال شرقي البلاد، مؤكداً أن "التهدئة على الأرض في شمال شرقي سوريا هي موقف مبدئي للحكومة السورية صرحت به مراراً وتكراراً"، وأن دمشق أظهرت مقداراً عالياً من ضبط النفس تجاه استفزازات "قسد" وانتهاكها لاتفاق 10 مارس في نواحيه العسكرية والسياسية.
واعتبر الحسن أن موقف دمشق "ينسجم مع الموقف الدولي ويتجاوز المصالح الضيقة التي تسعى إليها (قسد)، نحو مصالح السلم والأمن الدوليين في عدم حدوث فوضى تستغلها التنظيمات الإرهابية". وأضاف أن "هذا الموقف يتبناه جميع دول التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والبالغ عددها 84 دولة".
وفسر الحسن تباطؤ "قسد" في تنفيذ الاتفاق "بوجود جناح متشدد فيها يتبع إيران وحزب العمال الكردستاني PKK ويرفض اتفاق 10 مارس، وهو متضرر منه". وأشار إلى أن هذا الجناح "يسعى بتحريض من جهات خارجية بدأت بنشر إشاعات حول تحشيد تقوم به الحكومة السورية لمهاجمة (قسد)"، وهو أمر تكذبه الوقائع على الأرض، ويكذبه تصريح الرئيس الشرع في أن الحل سلمي وليس عسكرياً.
وتشدد المصادر المحلية في مناطق سيطرة "قسد" على أنه لا حشود من طرف الحكومة السورية، وأن هناك محاولة لجر الجيش السوري إلى صراع على الأرض، أو استفزاز "فزعة عشائرية" تقود إلى اتهام الحكومة بانتهاكات شاركت بها، أو تراخت في وقفها. ويأمل هذا التيار في وقف أي قرار أميركي بسحب القوات من سوريا، وبتدويل ملف شمال شرقي سوريا تحت ستار حماية الأقليات.
* صحيفة الشرق الأوسط