الأحد, 18 مايو 2025 06:32 PM

تشكيل هيئة العدالة الانتقالية في سوريا يثير جدلاً: ترحيب مشروط وانتقادات واسعة

تشكيل هيئة العدالة الانتقالية في سوريا يثير جدلاً: ترحيب مشروط وانتقادات واسعة

دمشق – نورث برس

بعد إعلان الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، أمس السبت، عن تشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" للتحقيق في الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، ومع الترحيب بإعلانها، تصاعدت موجة من الانتقادات الحقوقية وآلية البحث التي ستعتمدها الهيئة بموجب قرار تشكيلها.

وأمس السبت، كلفت الرئاسة السورية عبر مرسوم جمهوري، عبد الباسط عبد اللطيف برئاسة الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في سوريا "للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها النظام السوري البائد".

ترحيب ولكن

رحب المرصد السوري لحقوق الإنسان بتشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" في سوريا، وقال إنه يأمل أن تتوسع من كونها عدالة "انتقائية" إلى "انتقالية" في خطوة أولى على طريق كشف الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب وضد الإنسانية التي تعرض لها الشعب السوري حتى تاريخ اليوم.

ويبين المرصد أن العدالة الحقيقية لا تكتمل دون محاسبة جميع الأطراف التي ارتكبت انتهاكات بحق السوريين، بما في ذلك فصائل مسلحة أُخرى ارتكبت جرائم حرب وضد الإنسانية تسببت في سقوط ضحايا مدنيين.

ويشدد المرصد على أن ارتكاب القسم الأكبر من الانتهاكات من قبل النظام وأجهزته لا يُلغي ضرورة التحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها باقي الأطراف، فمعايير العدالة الانتقالية تتطلب شمول جميع الجرائم المرتكبة، دون النظر لهوية الفاعلين وانتماءاتهم، لضمان المساءلة والإنصاف وعدم الإفلات من العقاب.

ويحذر المرصد من أن أي انتقائية في المحاسبة ستقود إلى ما يُعرف بـ "عدالة المنتصر"، وهي عدالة مشوهة لا تحقق الإنصاف ولا تبني الثقة، بل تكرّس الانقسام والانتقام تحت غطاء القانون، بحسب المرصد.

واعتبرت رابطة "تآزر" للضحايا، أن حصر صلاحيات الهيئة بجهة واحدة فقط "يُكرّس الانتقائية"، ويقصي ضحايا الانتهاكات المرتكبة من قبل أطراف أخرى في النزاع، مما يهدد فرص تحقيق عدالة شاملة ومصالحة وطنية حقيقية.

كما حذّرت "تآزر" من أن حصر التحقيق في الانتهاكات الجسيمة فقط يفتح الباب أمام الإفلات من العقاب عن انتهاكات أخرى لا تقلّ خطورة في أثرها على حياة الضحايا.

انتقادات

يقول الباحث السوري وائل السواح، وهو عضو المجلس الاستشاري لبرنامج سوريا في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن تعيين عبد اللطيف "دليل جديد على عدم جدية الحكومة السورية"، مشيراً إلى أن خبرته في العدالة الانتقالية "لا تزيد عن خبرتي في الفيزياء".

ويضيف "السواح": أن "هذه ليست عدالة، لأنها سترى بعين واحدة فقط"، مطالباً بإشراك مختصين حقيقيين أمثال مازن درويش وجمانة سيف وأنور البني.

فيما تقول الحقوقية السورية جمانة سيف، وهي الشريكة المؤسسة ورئيسة اللجنة القانونية في "شبكة النساء السوريات"، إن "العدالة التي لا تعترف بجميع الضحايا، ولا تسعى إلى محاسبة الجناة، ليست عدالة".

وتشير إلى أن العدالة الحقيقية "تبنى على الاعتراف والإنصاف والكرامة المتساوية".

فيما علق الحقوقي مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير على حسابه في فيسبوك، بالقول: "لأني ضحية لنظام الأسد، لا أستطيع خيانة باقي الضحايا"، مضيفاً: "علينا أن نستخدم العدالة والمحاسبة كأداة للسلام ، وليس كسلاح للانتقام".

أما المحامي مصطفى أوسو، فيطرح جملة من الأسئلة، منها: "هل ستحاسب الهيئة جميع الأطراف؟ وهل ستمتد المحاسبة لفترة ما قبل الحرب؟ وعلى أي أساس قانوني ستتم المحاسبة؟"، مشدداً على أن العدالة الانتقالية لا يمكن أن تتحقق إلا بتوفير ضمانات قانونية شاملة، ومنها تصديق الحكومة السورية على معاهدة روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية.

قلق

أعربت الناشطة السورية فرح يوسف عن تحفظها على مرسوم العدالة الانتقالية الصادر عن الرئيس السوري، وأعربت عن قلقها إزاء تعيين عبد الباسط عبد اللطيف، الذي شغل سابقاً منصب رئيس المكتب السياسي لجيش "أسود الشرقية"، في موقع مسؤول ضمن عملية تشكيل هيئة العدالة الانتقالية، معتبرة أن هذا التعيين يتنافى مع مبدأ الحياد الواجب توفره لدى من يتولون مهام ذات طابع عدلي وانتقالي.

واعتبرت يوسف أن المرسوم ينطوي على عدة إشكاليات جوهرية، أهمها: حصر العدالة في النظام السابق، وانتقدت عبارة "الانتهاكات الجسيمة التي تسبب بها النظام البائد"، مؤكدة أن العدالة يجب أن تشمل كل أطراف النزاع، وليس فقط نظام الأسد.

وأشارت إلى ضرورة محاسبة جميع الفصائل المسلحة وقوى الأمر الواقع.

كما انتقدت آلية تكليف شخصية غير منتخبة بمهمة تشكيل الهيئة ووضع نظامها الداخلي، معتبرة أن مثل هذه المهام يجب أن تكون ناتجة عن عملية ديمقراطية شفافة وبمشاركة شعبية واضحة، لا أن تُسلّم لمقررين من دون تفويض أو معايير معلنة.

ودعت الناشطة السورية إلى سحب المرسوم الحالي، وعقد مؤتمر وطني للعدالة الانتقالية يضم المؤسسات الحقوقية السورية، وروابط الضحايا والناجين، والأجسام السياسية، وممثلين عن مختلف شرائح الشعب، على أن يخرج المؤتمر بتصور شامل، وأن يُنتخب من خلاله هيئة تنفيذية وآليات رقابية تمثّل تطلعات السوريين نحو عدالة حقيقية.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: