الأحد, 19 أكتوبر 2025 05:41 PM

تصاعد التوغلات الإسرائيلية في القنيطرة: تهديد للمدنيين وتقويض للانتماء الوطني

تصاعد التوغلات الإسرائيلية في القنيطرة: تهديد للمدنيين وتقويض للانتماء الوطني

عنب بلدي – أمير حقوق لم تعد التوغلات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة، جنوبي سوريا، مجرد حوادث عسكرية متفرقة، بل تحولت إلى نمط مستمر من الانتهاكات التي تستهدف حياة السكان اليومية وتؤثر على استقرارهم. في ظل غياب أي دور حكومي أو آلية لحماية المدنيين، وبين خيار الاستكانة للواقع المفروض أو الرفض، يجد سكان القنيطرة أنفسهم في خط النار، منتظرين أن تتجاوز السياسات الرسمية حدود البيانات إلى أفعال تضمن لهم الأمان والانتماء.

تتنوع التوغلات بين تحليق مكثف للطائرات الاستطلاعية، ودخول ميداني لفرق الجيش الإسرائيلي إلى قرى حدودية، واعتقالات، وإقامة نقاط تفتيش، الأمر الذي لم يهدد أمن السكان فحسب، بل امتد ليؤثر على إحساسهم بالانتماء، نتيجة للحضور "الهش" للدولة في هذه المنطقة الاستراتيجية، وفقًا لما وصفه محللون لـ عنب بلدي.

ضغوط وتفكك للتواصل الجغرافي

قال المهندس ياسر فحيلي، أحد سكان القنيطرة، لـ عنب بلدي، واصفًا مشهد التوغلات بأنه شبه يومي: "تتواصل التوغلات والخروقات العسكرية الإسرائيلية بشكل مكثف على طول الحدود السورية، خاصة في المناطق القريبة من القرى الحدودية مثل جباتا الخشب، كودنة، صيدا، العشة، الرفيد، بريقة، طرنجة، وغيرها".

وأضاف المهندس فحيلي: "تقوم قوات الجيش الإسرائيلي خلال هذه العمليات بتفتيش منازل المدنيين، وإجراء استبيانات تستفسر عن الحاجات الإنسانية، مثل مدى الحاجة للمساعدات وعدد أفراد الأسرة، ولكن غالبًا ما تواجه بردود من الأهالي تؤكد مطالبهم بالانسحاب الإسرائيلي من أراضيهم والالتزام باتفاق فك الاشتباك المبرم في عام 1974".

وأشار إلى أن هذه الممارسات لا تقتصر على الاستطلاع، بل تترافق مع اعتقالات وطلقات نارية أحيانًا، وإقامة حواجز مؤقتة تعوق حركة المواطنين، وتُفكك التواصل الجغرافي بين القرى، مما يزيد من الضغوط المعيشية والنفسية على السكان، لتزيد إسرائيل فرض سيطرتها وتقويض قدرات "المقاومة المحلية".

رعب للسكان

تنتج عن التوغلات اليومية مضايقات عديدة للسكان نتيجة الدوريات وحواجز التفتيش، مما يثير استياء أهالي ريف القنيطرة، مع مطالب تدعو لانسحاب فوري للقوات الإسرائيلية، بحسب ما ذكره الإعلامي نور الحسن، لـ عنب بلدي.

أحد سكان القنيطرة، فضّل عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، عبّر عن قلقه البالغ من الوضع الأمني المتردي، قائلًا لـ عنب بلدي: "إسرائيل تشكل حالة رعب للسكان في القنيطرة، حيث تنفذ مداهمات في أغلب الأيام وتعتقل بعض الأشخاص وتنشئ حواجز متى تشاء، ولا توجد قوة على الأرض تمنعها من التمادي".

ويرى أنه يجب تفعيل عمل قوات الطوارئ الدولية بشكل فعلي، وإدراج قوانين تجبرها على الانسحاب من الأرض التي احتلتها بعد سقوط النظام، ومنعها من اقتحام مناطق القنيطرة، أو تشكيل جيش سوري يتسلّم الحدود مع الجولان، وتكون مهمته منع هذه القوات من الوصول إلى المدنيين.

وأكد أن الأهالي باتوا يتعاملون مع هذه التوغلات بتباين ملحوظ، منهم من تعايش معها ولم تعد تشكل له قلقًا وخوفًا، ومنهم من تزيد مخاوفه، مع استمراريتها، مما يدفعهم لتجنب الاحتكاك المباشر، أو مغادرة بيوتهم وقراهم واختيار الإقامة بمناطق أكثر أمانًا، كدمشق وريفها.

ووسّعت إسرائيل سيطرتها منذ نهاية عام 2024 بعد الإطاحة بالنظام السوري السابق، لتشمل شريطًا أمنيًا بعمق 15 كيلومترًا في الجنوب السوري، يضم أكثر من 40 ألف مدني يعيشون تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية المباشرة.

عمليات عسكرية تنتهك السيادة السورية

التوغلات الإسرائيلية المستمرة في ريف القنيطرة جنوبي سوريا، لا تنفصل عن المشهد السياسي السوري، بل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمعالمه الأساسية. اعتبر الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة أن التوغلات الإسرائيلية المستمرة تُشكّل عمليات عسكرية تنتهك السيادة السورية، وتستهدف الكيان الاجتماعي والاقتصادي والرمزي للمنطقة.

وفي حديث إلى عنب بلدي، قال خليفة، إن التوغلات الإسرائيلية المستمرة في القنيطرة تعد عمليات عسكرية متكررة تهدف إلى تعزيز السيطرة الأمنية على الحدود السورية، من خلال دوريات ونقاط تفتيش مؤقتة وتفتيش منازل، ناهيك بالاعتقالات المتكررة بشكل شبه يومي لشبان في مناطق هذه العمليات، التي تشكل انتهاكًا للسيادة السورية وتترك آثارًا سلبية على السكان.

وأشار خليفة إلى أن القرى المتأثرة، مثل جباتا الخشب وبئر عجم، تواجه قيودًا على الحركة تعوق الزراعة والتجارة، وتؤدي إلى خسائر اقتصادية، وتهجير قسري، وتدمير منازل، مما يزيد من الضغط النفسي والفقر.

يُضعف الانتماء الوطني

فيما يتعلق برد فعل السكان، أوضح الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة، أن السكان يتعاملون مع هذه التوغلات برفض واضح، يظهر في احتجاجات ورفض المساعدات الإسرائيلية، رغم اضطرارهم أحيانًا للامتثال تحت الضغط العسكري.

سياسيًا، يرى خليفة أن هذا الواقع يفاقم شعور الأهالي بالتخلي من الحكومة السورية، مما قد يُضعف الانتماء الوطني ويدفع بعضهم للهجرة أو البحث عن بدائل محلية. لكنه يوضح أن هذه الأزمات قد تُنتج أيضًا حالات تضامن مجتمعي وممانعة مدنية محلية.

أما عن الحلول، فدعا إلى تحرك حكومي رسمي عاجل، قائلًا إن "المطلوب من السلطة" أن ترفع القضية لمجلس الأمن، لتعزيز الرصد الدولي لتوثيق الانتهاكات، ودعم السكان بمساعدات اقتصادية، وتشكيل لجان محلية للتنسيق مع المنظمات الدولية.

كما نصح بالتركيز على الدبلوماسية والضغط الدولي عبر بيانات رسمية وإعلامية لعزل إسرائيل دون تصعيد عسكري يُعرض السكان للخطر.

أبرز التوغلات في شهرين

  • في 16 من تشرين الأول: توغلت دوريات الجيش الإسرائيلي في عدة مناطق وقرى بريف القنيطرة، كجباتا الخشب وعين البيضة وتل كروم والصمدانية.
  • في 15 من تشرين الأول: توغلت قوة من الجيش الإسرائيلي في قرية أوفانيا وبلدة الصمدانية الشرقية بريف القنيطرة، واقتصر توغلها على التفتيش فقط.
  • في 28 من أيلول: توغلت قوة إسرائيلية مؤلفة من 16 آلية عسكرية من تل أبو غيثار باتجاه بلدة صيدا الجولان في ريف القنيطرة الجنوبي، وقامت بعمليات مداهمة وتفتيش لمنازل المدنيين.
  • في 24 من أيلول: توغلت قوة من الجيش الإسرائيلي وداهمت عدة منازل في قرية صيدا الجولان وقامت بتفتيشها، دون أن تعتقل أحدًا.
  • في 18 من أيلول: توغلت قوة من الجيش الإسرائيلي في تل الأحمر الشرقي بريف القنيطرة جنوبي سوريا. وذكرت قناة "الإخبارية" الرسمية، أن الاحتلال الإسرائيلي نفذ أعمال حفر ورفع سواتر في تل الأحمر الشرقي بعد توغله في محيط قرية كودنة بريف القنيطرة.
  • في 17 من أيلول: توغلت قوة ضمت أكثر من 15 آلية للجيش الإسرائيلي في بلدتي جباتا الخشب وأوفانيا وقرية خان أرنبة في القنيطرة جنوبي سوريا، واعتقلت أربعة شبان قبل أن تنسحب من المنطقة.
مشاركة المقال: