يشير التصعيد المستمر في الأحداث الميدانية في قطاع غزة إلى أن إسرائيل تعمل على تشكيل واقع أمني يخدم فكرة "الحرب المستدامة" بوتيرة تتناسب مع المتطلبات الأمنية المتغيرة. يتجسد هذا الواقع في الأحداث التي شهدتها المناطق الشرقية لمدينة غزة، وتحديداً حي التفاح، حيث أطلقت طائرات "الكوادكابتر" النار مباشرة على منازل المواطنين. ثم تطور الأمر إلى قصف منزل مأهول بأسرة من عائلة السكني كانت مجتمعة على العشاء، في منطقة تبعد كيلومترين غرب "الخط الأصفر".
أحمد السكني صرح لـ"الأخبار" قائلاً: "استُهدف منزلنا بقنبلة من طائرة كوادكابتر. كانت العائلة مجتمعة، واستشهد والد لـ7 أطفال وابنه. وعندما حاول الأهالي انتشال الشهداء وإجلاء المصابين، تكرر القصف، مما تسبب في إصابة العشرات وتحول المنطقة إلى ساحة حرب".
على الطريق المؤدي إلى مفترق السنافور، نزحت عشرات العائلات من منازلها. نور الشوا، أحد النازحين، قال: "نحن في قلب البلدة القديمة في غزة. بيتنا يبعد عن الخط الأصفر أكثر من كيلومتر. عدنا إلى بيوتنا على أساس أن الحرب انتهت، لكننا نعيش حرباً جديدة كل ليلة. سكان المناطق الشرقية لمدينة غزة يعيشون الحرب يومياً".
وفي مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، قصفت طائرة مسيرة المصور الصحافي محمود وادي في منطقة بعيدة عن "الخط الأصفر". وفي الوقت نفسه، حاولت قوة من مجموعات العملاء المعروفة باسم "الجيش الشعبي" التابعة للعميل محمد المنسي اختطاف أحد المواطنين في مخيم جباليا شمالي القطاع. ووفقاً لمصادر أمنية، اشتبك المقاومون مع مجموعة المنسي وأجهضوا محاولة الاختطاف، وتمكنوا من اعتقال أحد العملاء. وتُعدّ هذه العملية الأمنية هي الثانية من نوعها ضدّ تلك المجموعات التي تنشط في المناطق القريبة من "الخط الأصفر".
يزعم الاحتلال أن حركة "حماس" خرقت الاتفاق في رفح ويستعدّ لحملة قصف واغتيالات.
التطور الميداني الأخطر شهده مدينة رفح، حيث زعم جيش الاحتلال أن عدداً من مقاومي "كتائب القسام" اشتبكوا مع قوة من وحدة "غولاني". ووفقاً للإعلام العبري، خرجت خلية مكونة من 5 مقاومين من فتحة نفق وألصق أحدهم عبوة ناسفة بناقلة جند، مما تسبب في إصابة 4 جنود، وُصفت حالة أحدهم بالخطيرة.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" علقت على الحدث بوصفه "خرقاً لوقف إطلاق النار من جانب حماس"، ونقلت عن مسؤول أمني قوله إن "الجيش يستعدّ لحملة قصف قوية وعمليات اغتيال لقيادات في الحركة رداً على الهجوم". وقد بدأ تنفيذ ذلك بالفعل بعد تهديد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
تترافق هذه المعطيات الميدانية مع تمكّن المقاومة من إنجاز الجزء الأكبر من استحقاق تسليم جثامين القتلى الإسرائيليين، إذ أعلنت "سرايا القدس" أنها تمكّنت من انتشال جثة أحد الأسرى بعد عمليات بحث في مخيم جباليا ومدينة بيت لاهيا. وبذلك، يتبقى لدى المقاومة جثمان أسير إسرائيلي واحد. وينزع هذا التطور ذريعة جديدة من الذرائع التي تضعها إسرائيل كعقبة للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، بما فيها الانسحاب من مناطق "الخط الأصفر" وفتح معبر رفح البري. إسرائيل تواصل صناعة المبررات للانقلاب على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيما يقف الوسطاء من دون أي قدرة على التأثير. ويهدف العدو من وراء ذلك إلى تثبيت اليد الإسرائيلية المطلقة أمنياً، وصناعة ظروف معيشية وإنسانية طاردة للسكان من القطاع، وصولاً إلى تحقيق مبدأ التهجير الطوعي.