الجمعة, 13 يونيو 2025 12:18 AM

تضاؤل المساعدات يفاقم معاناة اللاجئين السوريين الجدد في لبنان: قصص من عكار

تضاؤل المساعدات يفاقم معاناة اللاجئين السوريين الجدد في لبنان: قصص من عكار

مع تضاؤل المساعدات والتأخير في التسجيل بشكل غير رسمي لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أصبح عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الواصلين حديثاً إلى لبنان بمفردهم إلى حد كبير.

سوريون يعبرون النهر الكبير إلى منطقة عكار شمال لبنان هرباً من العنف في الساحل السوري، 11/ 03/ 2025، (أ ف ب)

عكار- تتقاسم عائلتان سوريتان منزلاً مكوناً من غرفتين في قرية بقرزلا، القريبة من الحدود السورية في محافظة عكار شمال لبنان، ويلتفون حول طاولة بلاستيكية على شرفة المنزل، لأيام كثيرة، يحتسون الشاي ويسترجعون ذكريات مؤلمة عن نزوحهم في وقت سابق من هذا العام.

فرّت العائلتان في آذار/ مارس الماضي، بعد مقتل أكثر من ، عندما أثارت الاشتباكات التي وقعت آنذاك بين موالين لنظام الأسد البائد وقوات الأمن العام في الإدارة السورية الجديدة موجة عمليات قتل طائفي، استهدفت العلويين في الساحل السوري ووسط البلاد.

تتذكر أم دنيا (اسم مستعار)، 45 عاماً، من بلدة القدموس التابعة لمحافظة طرطوس، قائلة: “عندما غادرنا بانياس مررنا بجانب جثث محترقة”، وأضافت وهي تغالب دموعها: “أم صديقتي فقدت ابنها وحفيدتها وابنتها وزوج ابنتها وطفليهما، الذين قتلوا بالرصاص في منزلهم”.

هربت أم دنيا إلى لبنان رفقة زوجها وابنتيها، في منتصف آذار/ مارس، بمساعدة صديقتهم من المكون السنّي، التي تملك سيارة تحمل لوحات محافظة إدلب، وارتدت النساء الحجاب لإخفاء أنهنّ علويات (أقلية شيعية ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد).

أم دنيا، 45 عاماً، تشبك يديها وهي تجلس في منزل مكون من غرفتين، تتشاركه عائلتان مكونتان من عشرة أفراد، في محافظة عكار شمال لبنان، 04/ 05/ 2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول).

وشقيقها أبو ريم (اسم مستعار)، هرب أيضاً بمساعدة صديق سنّي، مشيراً إلى أن إحدى نقاط التفتيش أوقفته أثناء محاولة خروجه، وخشي حينها أن يُقتل، فما كان من صديقه إلا أن “ركض نحوي وناداني أبو عمر لإخفاء اسمي، وقال لهم أنني من دمشق، فردّ العنصر عند نقطة التفتيش: ظننا أنك علوي من الساحل”.

مكث أبو ريم وزوجته وبناته الأربع عند ذاك الصديق إلى أن تم تهديده بسبب إيوائهم، فهربت العائلة إلى غابة قريبة، اختبأت فيها لمدة أسبوعين، ومن ثم استكملوا طريقهم باتجاه لبنان، البلد الذي وصلوا إليه في أواخر آذار/ مارس.

منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عبر نحو 120 ألف سوري إلى لبنان، بحسب أرقام مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، من بينهم نحو من محافظات طرطوس واللاذقية وحمص وحماة، العديد منهم علويين، كما هو حال أم دنيا وشقيقها.

في لبنان، اتصلت العائلتان بالخط الساخن لمفوضية شؤون اللاجئين عدة مرات من أجل التسجيل كلاجئين، ولكن دون جدوى، إذ “عندما اتصلنا بهم، أخبرونا بأنهم سيعاودون الاتصال بنا، لكنهم لم يتصلوا بنا إلى الآن”، بحسب أم دنيا.

في عام 2015، توقفت المفوضية عن تسجيل اللاجئين السوريين رسمياً في لبنان، بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية. ومع ذلك، واصلت المفوضية تسجيل اللاجئين بشكل غير رسمي، عبر تزويدهم بـ”باركود” استثنائي يسمح لهم بالحصول على المساعدات والتقدم بطلبات إعادة التوطين إلى بلد ثالث.

“من بين الموجة الجديدة من السوريين الذين دخلوا لبنان بعد سقوط النظام، وأيضاً بعد التوترات التي حصلت في الساحل السوري، لا نعرف أحداً حصل على باركود”، كما قال مصدر من مركز وصول لحقوق الإنسان ومقره بيروت لـ”سوريا على طول”.

عندما اتصل أبو ريم بالخط الساخن، أخبرهم بأنه يريد التسجيل في المفوضية، فالوا “لا يوجد تسجيل حالياً، ولكنهم طلبوا معرفة عدد أفراد العائلة، ومن ثم قالوا إذا استجدّ شيء سوف نتصل بك”، وفقاً له.

“اتصل جميع هؤلاء الأشخاص بالمفوضية لهذا الغرض ولم يتلقوا رداً. لم نسمع أنهم توقفوا عن تقديم الباركود. كل ما نعرفه أنه لم يتمكن أي شخص من الذين تحدثنا معهم من الحصول عليه”، أضاف المصدر من وصول، طالباً عدم الكشف عن اسمه.

من جهتها، نفت المتحدثة باسم المفوضية في لبنان، ليزا أبو خالد، توقف المفوضية عن تسجيل السوريين بشكل غير رسمي، قائلة: “العائلات السورية المستضعفة، التي تحتاج إلى المساعدة يمكنها الاستمرار في التواصل مع المفوضية لطلب الدعم”، مشيرة إلى أن “المفوضية تجري مناقشات مع الحكومة اللبنانية بشأن استئناف التسجيل [الرسمي] للواصلين الجدد”.

إن التسجيل بأي شكل من الأشكال مهم، لأنه يسمح للجهات الفاعلة في مجال الإغاثة بتتبع الوافدين الجدد، وتمكّن اللاجئين من الحصول على المساعدات والتقدم بطلبات إعادة توطين في بلدان أخرى. ومن دون ذلك، خاصة مع تراجع المساعدات لجميع اللاجئين في لبنان، فإن الواصلين مؤخراً أصبحوا يواجهون ظروفهم لوحدهم.

تزايد عدد المحتاجين

حتى شهر أيار/ مايو 2015، كان بإمكان السوريين في لبنان التسجيل رسمياً كلاجئين لدى مفوضية شؤون اللاجئين، ما يسمح لهم بتلقي المساعدات النقدية والغذائية، والتقدم بطلبات إعادة التوطين، واستئجار المنازل، وإرسال أطفالهم إلى المدارس.

في شباط/ فبراير 2025، بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية في لبنان حوالي من أصل حوالي 1.5 مليون.

قال جيسي ماركس، كبير المناصرين لشؤون الشرق الأوسط في منظمة اللاجئين الدولية: “التسجيل الرسمي أمر أساسي بموجب القانون الدولي عندما يتعلق الأمر بالقدرة على توفير الحماية الأساسية للاجئين، بشكل كامل”، ومن دون ذلك “تفقد القدرة على تتبع المحتاجين”، وبالتالي “إذا فقدتَ نظام تحديد الاحتياجات، فإنك تفقد القدرة على… تنفيذ ولايتك”.

وأوضح ماركس أنه بعد عام 2015، “كان التسجيل غير الرسمي هو الطريقة التي يمكن من خلالها للأمم المتحدة أن تعرف بهم، حتى تقوم بعد ذلك بالدفاع عنهم بشكل أساسي”.

ومع معاناة الوافدين الجدد في إكمال حتى هذه الخطوة، فإن “الأمم المتحدة فقدت أساساً القدرة على رؤية، أو من المحتمل أن تفقد القدرة على رؤية العدد المتزايد من المحتاجين”.

وفي السابق، كانت الحكومة اللبنانية تسمح حتى للأطفال اللاجئين المسجلين بشكل غير رسمي الالتحاق بالمدارس. ومع ذلك، فقد أدت القيود المتزايدة في لبنان إلى خيارات السوريين على مر السنين، حيث منعت عدة بلديات حتى اللاجئين المسجلين رسمياً من الالتحاق بالمدارس الحكومية إذا لم تكن لديهم إقامة قانونية.

اقرأ المزيد:

وكذلك، تبقى تصاريح الإقامة في لبنان بعيدة المنال إلى حد كبير بسبب التكاليف الباهظة والعقبات البيروقراطية.

قال فريدريك بوكرن، الأمين العام لمنظمة الإغاثة والمصالحة الدولية: ”في العام الماضي، أصبح الأمن العام أكثر فأكثر متردداً في منح تصاريح إقامة جديدة سواء وفق نظام الكفالة أو حتى تجديد التصاريح الحالية”.

واستجابةً لتدفق اللاجئين من الساحل السوري في وقت سابق من هذا العام، قدمت منظّمته سلالاً غذائية وأسكنت العائلات في مركزها المجتمعي في عكار، الذي يوفر خدمات التعليم للطلبة السوريين واللبنانيين على حد سواء.

تلقت عائلة أم دنيا في البداية بعض الدعم من الأمم المتحدة لكنه لم يكن كافياً، قائلة: “الأمم المتحدة أعطتنا أشياء بسيطة للغاية مثل المناشف والفوط الصحية والجوارب… أشياء لا قيمة لها”، وأشارت إلى أنها تعتمد بشكل أساسي على شقيقتها المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية “لتأمين المصاريف الشهرية في ظل غياب أي شكل من أشكال المساعدة المالية”.

يتضاءل الدعم المقدم للاجئين السوريين في لبنان -سواء المسجلين رسمياً أو الوافدين حديثاً- نظراً للنقص الكبير في تمويل الجهات الإنسانية الفاعلة، خاصة بعد التمويل الأميركي، إذ لا يتم حالياً سوى تمويل حوالي من ميزانية مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان.

وفي شباط/ فبراير، برنامج الأغذية العالمي عدد اللاجئين السوريين الذين يتلقون مساعدات نقدية في لبنان بنسبة 40 في المئة.

وقال البرنامج في تقرير صدر في آذار/ مارس أنه بدون تمويل جديد ”سوف تنفذ الموارد بحلول يونيو/حزيران 2025“.

لا عودة

في آذار/ مارس، فرّ أبو حسن، 46 عاماً، من سوريا رفقة زوجته وأطفاله الثلاثة. ومن مدينة طرطوس، شقّوا طريقهم إلى لبنان، حيث عبروا نهر النهر الكبير إلى عكار. كانوا يأملون بالعودة إلى سوريا، إلا أنهم يستبعدون إمكانية القيام بذلك في وقت قريب.

“الوضع غير آمن، هناك عمليات اختطاف. لا شيء يشير إلى أن هناك دولة في الوقت الحالي”، قال أبو حسن لـ”سوريا على طول”، مضيفاً: “هناك فوضى، قد تموت في أي لحظة”.

“أخشى أن يتم اختطاف بناتي أو قتلهن في سوريا. وأخشى أيضاً من عدم عودتهنّ وخسارتهنّ لتعليمهنّ”، قالت أم دينا، مضيفة: “نحن متوترون للغاية بشأن تعليمهم”.

تريد ابنة أم دنيا الصغرى أن تصبح طبيبة، بينما تريد الكبرى أن تصبح صيدلانية، وبما أن “طموحاتهم مرتفعة، أشعر أنني عالقة بين نارين”.

يخشى أبو ريم حال عودتهم إلى سوريا من “القتل أو الاعتقال”، ناهيك عن أن “لديّ فتيات”، في إشارة إلى التقارير التي تتحدث عن عمليات العلويات.

كذلك، وقعت المئات من عمليات خارج نطاق القضاء – معظمها بحق علويين- في وسط سوريا منذ بداية العام، واتهمت قوات الأمن الحكومية بالتورط في بعض الحالات.

أبو ريم يعرض صورة شقيق أحد معارفه، الذي قُتل مع والده على سطح منزلهم خلال أعمال العنف في الساحل السوري في آذار/ مارس، 04/ 05 /2025، (ناتاشا دنون/ سوريا على طول)

“لا نريد شيئاً في هذه الحياة سوى تعليم أطفالنا والعودة إلى العمل. أتمنى أن نتمكن من العودة إلى الحياة الطبيعية في أي بلد أوروبي، وأن نمارس حياتنا الطبيعية”، قالت أم دنيا.

”لم يتركوا لنا أي شيء في سوريا. لقد أخذوا أموالي وسيارتي وورشة العمل… نهبوا وسرقوا منازلنا. فما الذي أريد أن أعود إليه؟” قال أبو ريم.

في دمشق، طردت قوات الأمن مئات العلويين من منازلهم الخاصة منذ كانون الأول/ ديسمبر على يد قوات الأمن، كما وكالة رويترز في نيسان/ أبريل.

”آمل أن أتمكن من السفر إلى بلد أوروبي وطلب اللجوء هناك. أهم شيء بالنسبة لي هو التحاق بناتي بالمدارس”.

إلا أن العديد من الدول الأوروبية أو توقفت عن منح اللجوء للسوريين.

وقال بوكرن: ”يواجه اللاجئون الوافدون الجدد، وخاصة من المناطق العلوية في سوريا، عدداً كبيراً من التحديات… التحدي الأكبر هو أن لبنان شدد ظروف اللاجئين السوريين بشكل عام، وبشكل تدريجي خلال العقد الماضي”.

“لذلك هناك العديد من المشاكل، ويواجه الوافدون الجدد كل هذا. في المقابل، لا تستجيب مفوضية شؤون اللاجئين”، بحسب بوكرن، مشيراً إلى أن “الخطوط الساخنة معطلة… لم يعد هناك أي رد ولا تسجيل على الإطلاق. المفوضية لديها تفويض واضح، وسبب وجودها هو حماية اللاجئين والحماية تبدأ بالتسجيل”.

في المقابل، من غير المرجح أن تعطي الحكومة اللبنانية الأولوية لأي شكل من أشكال تسجيل اللاجئين في الوقت الحالي، كما توقع ماركس، قائلاً: “تركز الحكومة اللبنانية على إخراج السوريين… وليس الترحيب بدخول المزيد منهم”.

مشاركة المقال: