أدت الحرب التي شنها نظام الأسد على الشعب السوري على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية إلى تدهور العديد من القطاعات الحيوية في البلاد، وعلى رأسها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي. وقد عانت جامعة دمشق، أكبر وأقدم الجامعات السورية، من هذا التدهور بشكل كبير، حيث أثرت سنوات الصراع بشكل مباشر على مستوى الأبحاث وجودة التعليم والسمعة الأكاديمية للجامعة، مما أدى إلى تراجع حاد في تصنيفها العلمي والبحثي على المستويين الإقليمي والدولي.
وفقًا لرصد أجرته "" عبر تقارير التصنيفات العالمية، كانت جامعة دمشق حتى أواخر عام 2023 على وشك الخروج من معظم التصنيفات الدولية، بعد أن كانت قبل سنوات الحرب من بين الجامعات النشطة أكاديميًا في المنطقة.
البحث المتقدم في معايير التصنيف: تراجع مقلق
تشير بيانات المتابعة إلى أن التصنيف العلمي لجامعة دمشق تأثر بعدة عوامل مترابطة، أبرزها تراجع الإنتاج البحثي النوعي، والانخفاض الواضح في مستوى جودة التعليم نتيجة لسياسات الاستيعاب الجامعي العشوائي، بالإضافة إلى غياب التعاون البحثي الدولي، وتضرر البنية التحتية للبحث العلمي بسبب سنوات الحرب والعقوبات. كل هذه العوامل دفعت جامعة دمشق نحو التراجع المستمر في التصنيفات، وسط تحديات إضافية تتعلق بالموارد المالية والكوادر المؤهلة.
إدارة جامعة دمشق تحاول تحسين الصورة
في ظل هذه التحديات، بدأت إدارة جامعة دمشق في اتخاذ خطوات فعلية لمحاولة استعادة جزء من مكانتها الأكاديمية. وفي هذا السياق، أكد الدكتور مروان الراعي، مدير مكتب التصنيف في جامعة دمشق، أن تأسيس وحدة دعم النشر الأكاديمي الدولي يمثل إنجازًا نوعيًا هامًا، مشيرًا إلى أنها الأولى من نوعها على مستوى المنطقة العربية.
وقال الراعي لمنصة سوريا 24 إن الوحدة التي أُنشئت بالتعاون مع هيئة التميز والإبداع تهدف إلى تعزيز البحث العلمي، وتطوير مهارات الكتابة الأكاديمية لدى الطلاب والأساتذة، ودعم النشر في المجلات العالمية المرموقة، وتحسين جودة الأبحاث العلمية بما ينعكس على تصنيف الجامعة.
أهداف وحدة دعم النشر الأكاديمي الدولي
تهدف الوحدة، بحسب الراعي، إلى التوسع في النشر العلمي ليشمل جميع الجامعات السورية، وتدريب الطلاب والأساتذة على معايير النشر الدولي بالاعتماد على التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي. كما تعمل على تسهيل وصول الباحثين إلى المجلات العلمية الرصينة عبر تقديم استشارات ومراجعات تحريرية متخصصة، إلى جانب دعم بناء قدرات الباحثين الشباب وتحفيز بيئة الابتكار العلمي داخل الجامعة.
الخدمات المقدمة
أوضح الراعي أن وحدة دعم النشر تقدم عدة خدمات متكاملة، تشمل تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية في كتابة الأبحاث العلمية، وتقديم مراجعات لتحسين جودة الأبحاث قبل التقديم، وتوفير استشارات فردية لاختيار المجلات المناسبة، بالإضافة إلى دعم الباحثين في عمليات التقديم وفهم حقوق الملكية الفكرية وقوانين الاقتباس العلمي.
نتائج مبكرة: تحسن تدريجي في التصنيفات
وحول نتائج هذه الجهود، أوضح الراعي أن جامعة دمشق سجلت قفزة مهمة خلال عام 2024، حيث انتقلت من التواجد في أربع تصنيفات دولية مهددة بالخروج منها، إلى الحضور ضمن 19 تصنيفًا عالميًا، أبرزها تصنيف "التايمز للتعليم العالي" بنسخته الدولية. وأشار إلى أن هذا التحسن يعود بشكل رئيسي إلى زيادة الإنتاج البحثي، وتوجه الجامعة نحو التحول الرقمي، رغم استمرار التحديات في مجالات أخرى مثل جودة التعليم المرتبطة بسياسات الاستيعاب الجامعي التقليدية.
معايير التصنيف
واختتم الراعي حديثه بالتأكيد على أن التصنيفات الجامعية تختلف معاييرها بحسب نوع التصنيف، حيث تركز التصنيفات البحثية على جودة الأبحاث، وعدد براءات الاختراع، والتعاون الدولي، بينما تعتمد تصنيفات التعليم على جودة التدريس والبيئة الجامعية. وشدد على أن إدارة جامعة دمشق مصممة على مواصلة تطوير منظومتها البحثية والتعليمية، رغم صعوبة الطريق وتعقيداته، من أجل تعزيز حضور الجامعة بين أفضل المؤسسات الأكاديمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.