أثار بيان جماعة "الإخوان المسلمون" في سوريا، الصادر عقب اجتماع مجلس شورى الجماعة في 7 آب الحالي، جدلاً واسعاً بين المراقبين. رأى البعض في البيان محاولة لإعادة بناء الجماعة والمشاركة في العملية السياسية، بينما اعتبره آخرون إضافة إلى تعقيدات المشهد السوري وتحدياته المتزايدة.
في بيانها، حددت الجماعة موقفها من "العهد الجديد" في سوريا، مؤكدة دعمها لبناء دولة مدنية حديثة ذات مرجعية إسلامية، تقوم على المواطنة الكاملة والتعددية السياسية، وترفض الاستبداد والانقسام. كما شددت على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي والشعب السوري، ورفض أي حلول تؤدي إلى تقسيم البلاد أو إبقاء الوضع الراهن.
عضو المكتب السياسي في جماعة "الإخوان المسلمين"، سمير أبو اللبن، أوضح أن إصدار البيانات عقب اجتماعات مجلس الشورى هو إجراء معتاد، يهدف إلى إطلاع الشعب السوري والمهتمين على مجريات اللقاء. وأشار إلى أن سوريا تمر بظروف حساسة، وأن الجماعة تسعى من خلال بيانها إلى التأكيد على الحرص على بناء الدولة وفقاً للمبادئ التي قامت عليها الثورة، وإلى أن الحوار والنصح هما أفضل وسيلة لتجنب تصدع المجتمع والدولة.
أكدت الجماعة أيضاً على أهمية العيش المشترك في ظل اختلاف وجهات النظر، وأعلنت عن قرب إصدار ورقة توضح رؤيتها للعيش المشترك. كما أشارت إلى ضرورة تحقيق العدالة الانتقالية، معتبرةً أنها حجر الزاوية في إعادة بناء الثقة بين السوريين ومعالجة آثار الانتهاكات التي شهدتها البلاد.
تحذير من "المشاريع الانفصالية"
حذّر مجلس الشورى التابع للجماعة في بيانه من "المشاريع الانفصالية" التي تسعى إليها إسرائيل وبعض الدول. وأوضح سمير أبو اللبن أن تحقيق أحلام إسرائيل بتشكيل جديد للشرق الأوسط يعتمد على مدى قبول بعض السوريين بـ"مشاريع انفصالية". واعتبر أن ما حدث من تهجير لبعض السكان في الجزيرة السورية على يدي الـ "PYD" (حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يشكل نواة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا) والذي لم يُصحح حتى الآن، أو ما سماه، "فخر بعض السوريين بنجاح تهجير قرى عربية سنية في السويداء "نذير شؤم".
وفي سياق متصل، أشار البيان إلى حوادث قتل للمدنيين من الدروز على يد عناصر يشتبه بانتمائهم لقوات الأمن والجيش السوري، وأخرى من العشائر، وكذلك مقتل مدنيين من أبناء البدو وعدد من رجال الأمن. وذكر شهود محليون من أبناء البدو في السويداء أن مجموعات مسلحة تابعة للشيخ حكمت الهجري ارتكبت انتهاكات بينها عمليات تهجير ضد المدنيين من أبناء تلك العشائر في عدد من قرى المحافظة.
كما أشار البيان إلى تهجير بعض قرى ريف حلب الشرقي على يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومنها سكان قرية جبلة الحمرة، أثناء حملتها في آب 2022. ونقلت صحيفة "العربي الجديد" عن الناشط محمد قدورة قوله إن "قسد" عملت على تهجير سكان العديد من القرى بريف حلب الشرقي، وخصوصًا بمنطقة منبج، كما منعت سكان بعض القرى المهجرين من العودة إليها، ومنها سكان قريتي شيوخ فوقاني وشيوخ تحتاني. وهجرت أيضا سكان قرية السبت القريبة من منبج بعد تحويل القرية لموقع عسكري لها.
ووصف أبو اللبن هذا الأمر بأنه "دوامة الجاهلية"، مشيراً إلى أن سوريا لكل السوريين، ولن تكون سوريا سليمة صحيحة إلا إذا كانت كل مكوناتها مصونة محمية. وبالنسبة لموقف الجماعة من خصوم الحكومة الحاليين في الساحة السورية (فريق الشيخ الهجري وقوات سوريا الديمقراطية، وبعض من وجوه الطائفة العلوية)، فإن الجماعة ترى مواقفهم "متعجلة".
وأضاف القول، كنا نتمنى أن نرى من هذه الأطراف شيئًا من الروية وصبرًا على مخاض ولادة الدولة الجديدة أكثر مما رأينا، وأن يصروا على الحوار في نيل مطالبهم، وأن تبتعد هذه الأطراف كلها أو بعضها عن الاستقواء بأعداء سوريا، مشيراً إلى أن حديث القادة الإسرائيليين عن "ممر داوود" أو تقسيم سوريا، "يكفي لكل سوري عاقل خاض هذا الأمر، أن يرى أنه في النهاية أداة، والأداة ترمى حين تنتهي الحاجة إليها".
وتقول صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، إن "ممر داوود" هو خطة جيوستراتيجية تهدف إلى إنشاء ممر بري يمتد من شمال إسرائيل، مرورًا بجنوب سوريا، وصولًا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في شمال شرق العراق، مبينة أن هذه الفكرة، تطرح كجزء من محاولة إسرائيلية لتوسيع نفوذها الإقليمي من خلال التعاون مع الأقليات غير العربية، بما في ذلك الأكراد والدروز.
أبو اللبن، أشار إلى فشل تجربة تقسيم سوريا إلى دول أثناء فترة الاحتلال الفرنسي لسوريا، معتبراً أن "لا حجم سوريا يسمح بذلك ولا تاريخها يدعم وجود مثل هذه الانقسامات". وقال: "نرى أن الاستعانة بالأعداء على الأشقاء أمر يصعب نسيانه، وفي التاريخ عبرة، وهو خير شاهد، نأمل عودتهم إلى رشدهم".
إعادة بناء وطموح سياسي
الباحث في الحركات الجهادية عرابي عرابي، اعتبر أن تركيز الجماعة الحالي على الاستحقاقات المدنية، والعدالة الانتقالية، يؤكد على أنها تحاول إعادة بناء نفسها في إطار سياسي شامل. وبكل تأكيد، بحسب ما قاله عرابي لعنب بلدي، فإن تركيزها (جماعة الإخوان) على سيادة الشعب والمشاركة والمصالحة، يمكن أن يساهم في صناعة كتل سياسية أو مدنية تؤثر في إعادة ترتيب خريطة العمل السياسي السوري. وبالتالي قد يمنحها أرضية قوية إذا ترافق مع انتقال فعلي للسلطة أو إشراك فعلي في الحياة السياسية.
أما أبرز أوراق "الإخوان المسلمين"، وفق الباحث بالحركات الجهادية، فوجود مؤسسات تابعة للجماعة تحفظ تماسكها التنظيمي إلى جانب الخطاب المعتدل وتبنيها خطابًا مدنيًا يجذب السوريين الباحثين عن الاستقرار السياسي. وأضاف، "باختصار فالإخوان في سوريا يدخلون مرحلة إعادة ترتيب الهوية السياسية ببناء مشروع سياسي الوطني والمشاركة في بناء المستقبل السوري".
في حين اعتبر الكاتب والباحث السياسي طارق عجيب، إن إعلان جماعة "الإخوان المسلمون" عن حضورها على الساحة السورية في توقيت حساس وحرج كهذا تتعرض فيه الإدارة السورية الجديدة لضغوط كبيرة لتنفيذ عدد كبير من الاستحقاقات الوطنية والإقليمية، "يزيد من تعقيد المشهد ويفرض تحديات إضافية وتهديدات برفع وتيرة التجاذبات الداخلية المرتفعة أصلًا".
واعتبر عجيب، في حديث لعنب بلدي، أن تاريخ الجماعة يثبت أنه يخالف ما تم ذكره في البيان من نقاط إيجابية مثل دعم الحكومة الحالية، ورفض أفكار ومشاريع الانفصال، والتأكيد على الوطنية والعيش المشترك، "وهو ما قد يدفع البعض للاعتقاد بأن الجماعة قد غيرت من نهجها".
يرى الباحث السوري، أن خطورة هذا البيان تأتي من التشكيك بأن الجماعة فعلًا قررت أن تغير من نهجها، ويأتي أيضًا في توقيت يتميز بـ"هشاشة الواقع السوري الحالي على مستوى الأمن والاستقرار والتماسك الداخلي بين مكونات الشعب السوري، "الذي اختبر نهج الإخوان غير الإيجابي"، على حد تعبيره.
ويعتقد عجيب أن هنالك اختلافًا عقائديًا بين الإدارة السورية الجديدة وجماعة "الإخوان المسلمين"، واختلافًا في مفهوم الدولة والإدارة والحكم والتعامل مع الآخر، لذلك يعتقد الباحث، أن "الحكومة السورية الحالية لن ترحب بحضور ولا مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الحكم، ولن يكون من السهل عليها أن يكون للجماعة دور في صناعة مستقبل سوريا".
منافسة على السلطة
الكاتب السوري والباحث طارق عجيب، يرى أن جماعة "الإخوان المسلمون" هي جماعة سياسية في الأساس، لها برنامج سياسي غايته الوصول إلى السلطة في الدول التي تنشط بها، ومن ثم توحيد هذه السلطات في دولة واحدة، وتستخدم في سبيل ذلك الدين باعتباره من أقوى الروابط الجامعة حين يتم استثماره بالأشكال التي تخدم الغايات للجماعة.
وأشار إلى أن لها أذرع أخرى كـ"مجموعات العنف الممنهج والمنظم، والمال، والإعلام، والعلاقات المناسبة والمجدية للجماعة". وبحسب عجيب، فإن الجماعة تمتلك أوراقًا، قوية إن كان على الأرض وإن كان عبر علاقاتها الخارجية والقوى والدول التي تدعمها.
ولهذا السبب من المهم، وفق ما يرى الباحث السوري، الأخذ بعين الاعتبار احتمالية حصول جماعة "الإخوان المسلمين" على دور كبير في مستقبل سوريا "في حال استمرت الإدارة السورية الجديدة في انتهاج سياسات إقصائية وغير وطنية ولا تقبل التشاركية وتسعى لاحتكار السلطة وامتلاك الدولة"، وفق ما يرى عجيب، مرجحًا أن تميل الكفة في وقت ما لصالح الجماعة وتكسب في المنافسة المفترضة بينها وبين إدارة الشرع.
عن هذا يقول عضو المكتب السياسي، في جماعة الإخوان، سمير أبو اللبن، أن الجماعة حركة إصلاحية سورية، "لنا حقوقنا كباقي السوريين، لا أكثر ولا أقل، ووسيلتنا في ذلك التربية ونشر الوعي والحوار بالتي هي أحسن. ولا نلتفت إلى المثبطين ومن يجتهد في دق الأسافين، بينهم وبين الحكومة".
في 3 من شباط الماضي، أصدرت الجماعة، بيانًا أوضحت فيه، أن ما يُتداول على بعض الصفحات من "آراء وتقولات مزعومة للجماعة هي غير صحيحة، خصوصًا ما يتعلق بالرئيس أحمد الشرع وحكومته الموقرة"، مؤكدة على نبذ الأصوات التي تفرق ولا تجمع.
وهاجم عدد من الشخصيات الإخوانية المؤثرة في الساحة العربية، الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته في مناسبات مختلفة، منها مثلاً، الداعية الشيخ سلامة عبد القوي.
و تبنّت الجماعة خطابا أكثر تمايزا عن تنظيم الإخوان العالمي، فانتقدت إيران، وامتنعت عن تبني مواقف عدائية تجاه دول مثل السعودية، محاولة تكييف موقفها مع الواقع السياسي الإقليمي وتخفيف الضغط الدولي.
تأسست جماعة "الإخوان المسلمون" في سوريا عام 1945 كامتداد للحركة الأم في مصر، وشاركت في الحياة السياسية والبرلمانية حتى أواخر السبعينيات، حين دخلت في صدام مسلح مع النظام السوري في عهد حافظ الأسد، انتهى بحظرها وملاحقة أعضائها.
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، أعادت الجماعة تنظيم صفوفها في الخارج، وشاركت في مؤسسات المعارضة السياسية، داعية إلى إقامة نظام حكم يقوم على الشورى والمواطنة، بمرجعية إسلامية تراعي التعددية وتحترم حقوق الإنسان.