الخميس, 1 مايو 2025 04:52 PM

جمود المفاوضات الأوكرانية: هل تنجح مهل ترامب في كسر الجمود بين موسكو وكييف؟

جمود المفاوضات الأوكرانية: هل تنجح مهل ترامب في كسر الجمود بين موسكو وكييف؟

ريم هاني

تعكس المناوشات الأخيرة بين كييف وموسكو، سواء في ما يتعلق بالهدنة المؤقتة التي اقترحتها الأخيرة، أو الشروط التي تتمسك بها الأولى لإنهاء القتال، أوجهاً من الخلافات الجذرية التي لا تزال تلقي بظلالها على أي مفاوضات محتملة بشأن الحرب، وذلك رغم أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يدأب، بين الفينة والأخرى، على تحديد «مهلٍ جديدة قصوى»، لإنهاء حرب كان قد تعهد بوضع حدّ لها فور دخوله إلى البيت الأبيض، «وبمكالمة هاتفية واحدة».

وفي هذا السياق، أفادت وكالة «بلومبرغ»، الثلاثاء، نقلاً عن ثلاثة مصادر من موسكو، بأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يصرّ على أن يمنح أي اتفاق محتمل، روسيا، الحق في السيطرة على أربع مناطق في أوكرانيا.

ورغم أن ترامب زعم، خلال الأيام الماضية، أن «الاتفاق بات قريباً»، نقلت الوكالة عن أحد المصادر قوله إن المفاوضات «وصلت إلى طريق مسدود في الوقت الحالي»، فيما يتطلّب إحراز المزيد من التقدم «تواصلاً مباشراً بين ترامب وبوتين». وإذ سعى مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، خلال محادثات مطولة في الكرملين الجمعة، إلى إقناع بوتين بأن روسيا يجب أن توافق على وقف إطلاق النار على طول الخطوط الأمامية الحالية، إلا أن «الزعيم الروسي تمسك بموقفه المتطرف بشأن الأراضي الأوكرانية»، وفقاً لشخصين مطلعين على المحادثات.

وكان قد أصدر الكرملين، بعد ساعات قليلة من إعلان ترامب، في مقابلة مع مجلة «تايم» الأميركية أخيراً، أن نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مستعد لـ«التخلي» عن المطالبة بشبه جزيرة القرم، كجزء من أي اتفاق هدنة «طويل الأمد»، مذكرة إلى وسائل الإعلام، أعلن فيها وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، يبدأ عند منتصف ليل الثامن من أيار وحتى الـ11 منه، أي بالتزامن مع الذكرى الثمانين للانتصار على النازية.

وبيّنت المذكرة أنه سيتمّ تعليق جميع الأعمال العسكرية خلال تلك المدة، مشددة على أنّه «يجب على الجانب الأوكراني أن يتخذ الخطوات نفسها»، نظراً إلى أن أي إجراءات تتحدى وقف إطلاق النار، «ستقابَل بالمثل».

على أن بعض التصريحات الصادرة عن كييف تشي بعدم «رضى» الأخيرة على المقترح الروسي، لا سيما أن زيلينسكي وصف، الإثنين، الطرح المشار إليه بأنه «محاولة أخرى للتلاعب»، ليرد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، خلال محادثة مع الصحافيين الثلاثاء، بأن «رفض كييف الرد المباشر على وقف إطلاق النار هو التلاعب بحد ذاته، بل أكثر من ذلك».

ورأى بيسكوف أن الهدنة التي اقترحها زيلينسكي لمدة 30 يوماً غير قابلة للتطبيق، «من دون تسوية النقاط كافة»، مشيراً إلى أن بلاده لم تتلقَّ بعد أي ردّ من أوكرانيا بشأن المفاوضات المباشرة، كما إنه ليست لديها «أي فكرة عما إذا كانت كييف ستنضم إلى الهدنة في الذكرى الثمانين للنصر على النازية». كذلك، أشار بيسكوف إلى أن الأولوية بالنسبة إلى موسكو هي البدء في مفاوضات السلام، فيما تبقى «شرعية زيلنسكي مسألة ثانوية».

ومن جهته، وفي معرض حديثه عن شروط السلام الخاصة بروسيا، قال وزير الخارجية، سيرغي لافروف، الإثنين، إن الاعتراف الدولي بانتماء شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وسيادة الأخيرة على المناطق الأوكرانية الأربع الأخرى التي ضمّتها إليها، يعدّ «ضرورياً» لأي اتفاق، مشدداً على أن ذلك الاعتراف يجب أن يحظى بطابع «قانوني»، ويستمر إلى «أجل غير مسمى». ومن جملة الشروط الأخرى التي تحدث عنها لافروف: تجريد أوكرانيا من السلاح، ورفع العقوبات المفروضة على روسيا وإعادة الأصول التي جمدها الغرب.

لقاء ترامب – زيلينسكي في أول لقاء بينهما منذ «حفلة الصراخ» في المكتب البيضاوي أواخر شباط، والتي تسببت في أزمة ديبلوماسية غير مسبوقة بينهما، التقى ترامب نظيره الأوكراني، السبت، في روما، على هامش جنازة البابا فرانسيس، وناقشا الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب، بالتزامن مع دعوة الرئيس الأميركي الطرفين إلى «عقد قمة رفيعة المستوى، لحسم الأمور» والتوصل إلى اتفاق سلام.

وعقب الاجتماع، هاجم ترامب، من على متن طائرته الرئاسية، بوتين، ملوّحاً، في منشور عبر منصة «تروث سوشال»، على خلفية الهجمات الصاروخية الأخيرة التي شنتها روسيا على الأراضي الأوكرانية، بفرض قيود على «الخدمات المصرفية»، أو عقوبات إضافية على موسكو، في حال عدم وقف الحرب. وبعد يوم واحد من لقائه زيلينسكي، حدّد ترامب مهلته «الجديدة» لإنهاء القتال، موضحاً أن ذلك يجب أن يحصل «في غضون أسبوعين أو أقل»، قبل أن يعود ويؤكد، في وقت لاحق، أن «القليل من الوقت الإضافي قد يكون مقبولاً».

أكد ميدفيديف أن أي عضو جديد في «الناتو» سيصبح تلقائياً هدفاً للقوات المسلحة الروسية

بيد أن موسكو تبدو غير مستعجلة لـ«مهادنة» واشنطن أو كييف؛ إذ أكد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، الثلاثاء، أن أي «عضو جديد في (الناتو) سيصبح تلقائياً هدفاً للقوات المسلحة الروسية»، بما في ذلك «عبر الضربات الانتقامية المحتملة، أو شنّ ضربة نووية استباقية حتى»، مشيراً إلى أن «الإدارة الأميركية الحالية تبعث آمالاً خجولة بإمكانية التفاوض». كما اعتبر ميدفيديف أن «أي قوات أجنبية يُقترح نشرها في أوكرانيا تعدّ هدفاً مشروعاً لقواتنا»، مشدداً على أن على روسيا «التعلم من الأخطاء المرتكبة والأوهام الضائعة وإيجاد حلفاء حقيقيين».

وفي هذا السياق، يرد في تقرير نشرته مجلة «تايم» الأميركية، أن تحديد «المواعيد النهائية» قد يكون أداة مفيدة في المفاوضات الديبلوماسية، إلا أن الأطراف المتقاتلة لا يمكن أن تعتبر المواعيد الأميركية «عاملاً حاسماً» لإنهاء الحرب، في حال لم تترتب على عدم الوفاء بها أي «تكاليف مادية». ويشير التقرير إلى أنّه فيما تخشى أوكرانيا العواقب المترتبة على تراجع الدعم الأميركي، ما يدفعها إلى إبداء مرونة والموافقة على مقترحات ترامب لوقف إطلاق النار، إلا أن موسكو، ترى في تلك المهل فرصة لتصعيد مطالبها، وتعتبر الوقت بمنزلة «حليف لها»، لا سيما وسط عدم تعهد ترامب بتقديم المزيد من المساعدات العسكرية لنظام كييف.

وعليه، من غير المستغرب أن يكون الطرف الأقوى، أي روسيا، هو المستفيد الرئيسي من إستراتيجية الرئيس الأميركي؛ إذ إنّه بعدما أضعفت الولايات المتحدة نفسها – بسبب التصدعات المستجدة في علاقاتها مع حلفائها الآسيويين والأوروبيين -، فهي قد أضعفت أوكرانيا معها. ومن وجهة نظر روسيا، فقد كانت الأشهر الثلاثة الماضية أشبه بـ«المعجزة»، بعدما أصبح بوتين «يرى طريقاً لكسب الحرب في أوكرانيا»، طبقاً للمصدر نفسه.

والجدير ذكره، هنا، أن الخطة التي أعلنها ترامب، الأسبوع الماضي، لا تقتصر، طبقاً لوسائل إعلام غربية، على ضرورة استغناء أوكرانيا عن مطالبتها بشبه جزيرة القرم، بل أيضاً الموافقة على إعطاء روسيا كل الأراضي التي اكتسبتها في الحرب، مقابل منح كييف ضمانات أمنية، وصفها بعض المراقبين بـ«المبهمة». كما يمنع المقترح الأميركي أوكرانيا صراحةً من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي».

وعقب رفض زيلينسكي تلك الخطة، هاجم الرئيس الأميركي نظيره الأوكراني في منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، متهماً إياه بتأدية دور «المحرض»، والمساهمة في «إطالة أمد القتال». وبالتزامن، وفي تهديد مبطن لزيلينسكي، لوّح نائب ترامب، جي دي فانس، خلال زيارته إلى الهند، بأن واشنطن ستنسحب من عملية السلام، في حال لم ترضخ كل من كييف وموسكو للشروط الأميركية.

أما في أوساط المراقبين الغربيين «المتعاطفين» مع كييف، فقد قوبلت خطة ترامب بهجوم شرس؛ إذ نشرت، على سبيل المثال، مجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية تقريراً جاء فيه أنه في مقابل التنازلات المطلوبة من أوكرانيا، فإن الأخيرة «لن تحصل على أي شيء تقريباً، باستثناء ضمانة أمنية تافهة من رئيس أميركي يجاهر بعدائه لأوكرانيا وقادتها، وهو ما بات واضحاً بشكل خاص عندما نصب ترامب وفانس كميناً للرئيس الأوكراني خلال اجتماع في البيت الأبيض».

ويردف التقرير أن اقتراحات ترامب لا تشكل خطة لـ«السلام، بل الاستسلام»، فيما من غير المرجح أن يقبلها الأوكرانيون، لا سيما أنها ستدمر أوكرانيا «وظيفياً»، عبر جعلها تخرج من الاتفاق كدولة «ضعيفة»، محرومة «من 20% من أراضيها والملايين من مواطنيها»، جنباً إلى جنب التخلي عن «سيادتها»، وإجبارها على التعهد بعدم الانضمام إلى «الناتو» إلى الأبد.

مشاركة المقال: