الأحد, 18 مايو 2025 12:59 AM

حجيرة: عودة إلى مدينة الأشباح في ظل غياب الخدمات وإهمال حكومي

حجيرة: عودة إلى مدينة الأشباح في ظل غياب الخدمات وإهمال حكومي

حجيرة المنهكة… عائدون إلى الخراب وغياب للخدمات الحكومية

من بين الشوارع الخالية، والجدران المعفشة، والمنازل التي تحولت إلى هياكل باهتة، يسير محمد قلعة جي عائدًا إلى منزله في بلدة حجيرة جنوب دمشق، بعد سنوات من التهجير القسري. لكنه، كما يقول لـ”سوريا 24”، لم يجد حياة تستحق العودة: “الواقع في حجيرة مرير للغاية، إنها مدينة أشباح بكل ما تعنيه الكلمة… الحياة في الحي شبه معدومة، وكأننا نعيش خارج الزمن”.

رغم الآمال التي علقها العائدون على التحسن بعد انتهاء المعارك، اصطدم الواقع بإهمال قاس طال كل تفاصيل الحياة. لا كهرباء، لا مياه، لا خدمات، ولا حتى فرص للعمل. محمد، الذي اضطر إلى دفع أكثر من 55 مليون ليرة سورية لترميم بيته المنهوب، يصف المشهد بكلمات موجعة: “اضطررت إلى إعادة كل شيء، من الأرض إلى السقف.. السيراميك والبلاط مقلوعان، الأسلاك منهوبة، كل ما يمكن سرقته سُرق… وكأن الترميم نوع من الانتقام. التكلفة توازي بناء منزل جديد من الصفر”.

من منطقة ساخنة إلى أطلال صامتة

تقع بلدة حجيرة في جنوب العاصمة دمشق، وكانت خلال سنوات الثورة السورية من أبرز المناطق التي شهدت احتجاجات شعبية مبكرة ضد النظام، ثم تحولت لاحقًا إلى ساحة مواجهة عسكرية بعد سيطرة فصائل المعارضة عليها. في أواخر عام 2013، شنت قوات النظام السوري، مدعومة بميليشيات محلية وأجنبية، عملية عسكرية واسعة استعادت خلالها السيطرة على البلدة، ما أدى إلى تهجير جماعي للسكان، البالغ عددهم نحو 4500 نسمة، وتدمير كبير في البنية التحتية والمنازل.

وعلى مدار سنوات، بقيت حجيرة مغلقة أمام أهلها، وتحولت إلى منطقة عسكرية شبه معزولة. ورغم السماح بعودة تدريجية للمدنيين بعد عام 2019، فإن البنية الخدمية في البلدة بقيت غائبة بالكامل، دون أي خطط حقيقية لإعادة التأهيل أو دعم العودة الكريمة.

لا كهرباء.. لا ماء.. لا مؤسسات

تشير الشهادات المتكررة التي جمعتها “سوريا 24” من الأهالي العائدين إلى غياب أي جهة خدمية أو تنظيمية في البلدة. لا بلدية فعالة، ولا لجان محلية، ولا حتى عمال نظافة، حيث يُجبر السكان على حمل نفاياتهم لمسافات طويلة إلى الحاوية الوحيدة المتوفرة في آخر الحي، في مشهد يختصر انهيار الإدارة. الكهرباء شبه غائبة، تصل إلى ساعتين في اليوم في أحسن الأحوال، وأحيانًا لا تصل إطلاقًا. المياه تنقطع لأيام طويلة، وتُضطر العائلات إلى تخزينها أو شرائها بأسعار لا يحتملها الدخل المحدود.

خالد الأحمد، أحد المهجرين العائدين، يصف الوضع قائلًا: “لا يمكن العيش هنا. المنازل منهوبة بالكامل، لا جدران آمنة، لا أرضيات، لا شبابيك… تكلفة الترميم تفوق ثمن البناء من جديد”. أما هيثم النمر، فيؤكد غياب أبسط الخدمات: “لا سيارات قمامة، ولا صيانة، ولا حتى من يسأل عن الحي… الوضع كارثي بكل المقاييس”.

“نعيش بلا دولة”… محمد يختتم شهادته

في ختام حديثه لـ”سوريا 24”، يعيد محمد قلعة جي التأكيد على أن ما تعانيه حجيرة لا يرتبط فقط بآثار الحرب، بل بالإهمال المستمر: “المنازل تحولت إلى هياكل فارغة، لا كهرباء، لا ماء، لا عمل… المطلوب اليوم هو تدخل حقيقي: ورشات ترميم، شبكة مياه، خدمات نظافة، وكهرباء تكفي للحياة. نعيش بلا دولة، بلا خطة، بلا كرامة”.

مشاركة المقال: