في مثل هذا اليوم من العام الماضي، شهدت الساحة السورية أوسع عملية عسكرية منذ بداية الثورة، وهي عملية "ردع العدوان" بقيادة "غرفة عمليات الفتح المبين". خلال 12 يوماً فقط، تحولت هذه العملية إلى نقطة تحول حاسمة، أدت إلى عزلة نظام الأسد وانهيار غير مسبوق لمنظومته العسكرية، وذلك بعد كسر خطوط التماس المجمدة منذ اتفاق 2020 وفتح الطريق نحو دمشق.
انطلاقة خاطفة: بدأت قوى الثورة عملياتها العسكرية باختراق واسع في ريف حلب الغربي، وتلاه في اليوم الثاني سقوط الفوج 46 وخان العسل وقطع طريق حلب–دمشق، وصولاً إلى أول اشتباك واسع قرب مركز المدينة. ومع اليوم الثالث، كانت قوى الثورة قد دخلت أحياء حلب وسيطرت على مواقع حيوية، بينها قلعة حلب والجامع الأموي، وسط انهيار في دفاعات النظام رغم الغطاء الجوي الروسي.
سقوط حلب وتأثير الدومينو: خلال اليومين الرابع والخامس، أحكمت فصائل المعارضة سيطرتها على أهم قواعد نظام الأسد ومواقعه في محيط مدينة حلب، بما في ذلك الأكاديمية العسكرية ومدرسة المدفعية ومطار كويرس. بذلك، خرجت حلب عملياً عن قبضة النظام للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة، على الرغم من القصف الجوي الذي طال إدلب ومحيطها.
تمدد العمليات جنوباً: مع اليوم السادس، انتقلت المعارك إلى ريف حماة، وتسارع التقدم في اليوم التالي بسقوط حلفايا ومعردس وطيبة الإمام ومواقع عسكرية واسعة. وفي اليومين الثامن والتاسع، دخلت الفصائل مدينة حماة بالكامل، وسيطرت على المطار والدوائر الحكومية وأفرجت عن آلاف المعتقلين. بالتزامن مع ذلك، تقدمت القوى الثورية إلى ريف حمص، وسيطرت سريعاً على الرستن وتلبيسة، ثم وصلت إلى تخوم مدينة حمص معلنة "النداء الأخير" لقوات النظام للانشقاق.
اتساع رقعة الانهيار: في الوقت نفسه، أُعلنت غرفة عمليات الجنوب سيطرتها على درعا والقنيطرة والسويداء خلال يوم واحد، بينما انسحبت قوات نظام الأسد من دير الزور لصالح قوات "قسد". وظهر للمرة الأولى القائد العام لهيئة تحرير الشام وقائد معركة "ردع العدوان" "أبو محمد الجولاني" عبر مقابلة مع شبكة "CNN"، معلناً اسمه الحقيقي أحمد الشرع، ومؤكداً نية المعارضة في إقامة نظام مؤسساتي مُنتخب وإنهاء الوجود الأجنبي في البلاد.
اليوم الحاسم: ومع ساعات الفجر الأولى من اليوم الـ12 للمعركة، بدأت قوات الثورة دخول دمشق بعد انهيار خطوط النظام، وفُتحت السجون وتعانقت تكبيرات المساجد مع أهازيج النساء وفرحة السوريين الذين توافدوا بالآلاف لاستقبال الفاتحين قبل إعلان سيطرتهم الكاملة على مبنى الإذاعة والتلفزيون ووزارة الدفاع وقيادة الأركان، وهروب رأس النظام وقادته.
خطاب ميداني منضبط: اتبعت غرفة إدارة العمليات خلال مجريات المعركة خطاباً يركز على حماية المدنيين واحترام ممتلكاتهم، وأكدت ضمان حقوق كل المكونات السورية، ومنحت الأمان للمنشقين، وانتشرت تسجيلات تُظهر عودة عائلات شيعية إلى مناطقها وتأمين الكنائس، مع فتح قنوات اتصال مع البعثات.
كلمة السر التي غيرت قواعد المعركة: شكلت "العصائب الحمراء" القوة الأكثر تأثيراً في اقتحام الخطوط المحصنة، عبر عمليات ليلية عميقة وخلف خطوط العدو، وساهمت مباشرة في انهيار دفاعات حلب وحماة وصولاً إلى دمشق. كما برزت "كتائب شاهين" و"سرايا عقاب" خلال معركة "ردع العدوان"، بعد استخدامهما الطائرات المسيّرة في ضرب مواقع قوات النظام وآلياته. فمنذ اليوم الأول، بثت إدارة العمليات العسكرية مقطعاً بعنوان: "نصلكم أينما كنتم"، أعلنت من خلاله استخدام مسيّرات هجومية واستطلاعية مختلفة، ما غيّر قواعد الاشتباك ومنح المعارضة تفوقاً ميدانياً سريعاً، كما عكس تطوراً في تكتيكاتها الميدانية.
خلاصة المشهد: خلال 12 يوماً فقط، انتقلت العمليات من ريف إدلب إلى قلب العاصمة دمشق، وتهاوت مدن بأكملها تباعاً، لتسجل عملية "ردع العدوان" كأسرع وأكبر تحوّل ميداني في تاريخ الملاحم البطولية الحديثة، وانتهت بسقوط حكم نظام الأسد بعد أكثر من نصف قرن من الظلم والديكتاتورية، وإعلان بدء مرحلة سياسية جديدة عنوانها: "نصر لا انتقام فيه".
محمد رعد