السبت, 26 أبريل 2025 08:20 PM

رتيان تنتفض من تحت الأنقاض: عودة الحياة إلى قرية حلب المدمرة

رتيان تنتفض من تحت الأنقاض: عودة الحياة إلى قرية حلب المدمرة

يستذكر الناشط الثوري ماجد عبد النور اللحظات القاسية التي عاشها سكان قرية رتيان بريف حلب، يوم أجبروا على مغادرة بيوتهم تحت القصف العنيف بالبراميل والصواريخ. يقول: “لا شك أن خروجنا من بيوتنا كان له وقع كبير وصعب علينا، فقدنا جزءًا من هويتنا، من ذاكرتنا، من الحالة الوجدانية التي كنا نعيشها. بيت وأصدقاء واستقرار… خسرنا كل شيء. كانت خسارة قاسية، قدمنا مئات الشهداء قبل خروجنا، وكانت لحظة الوداع موجعة جدًا”.

ظل مشهد العودة إلى القرية بالنسبة لماجد حلمًا بعيد المنال، حتى جاءت لحظة التحرير المفاجئة في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي. يتابع استحضاره لذكريات الماضي قائلاً: “كنا نشاهد بيوتنا فقط في صور يسربها الشبيحة، وكانت مؤلمة جدًا. لم نتخيل أن نعود.. وفجأة، كل شيء تغيّر.. سقط النظام، وعادت الأرض لأهلها. عدنا خلال 14 يومًا فقط بعد 14 سنة من التهجير. صحيح أن الهواجس لا تزال موجودة، لكننا بالتأكيد قادرون على البناء”.

على مدى سنوات، كانت رتيان مسرحاً لمعارك طاحنة بين قوات النظام المدعومة بالميليشيات الشيعية والأفغانية وبين الثوار، حيث تعرضت لقصف جوي عنيف ومجازر مروعة بحق سكانها. ومع حلول شباط 2016، احتل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله القرية، ما أجبر نحو أربعة آلاف من أهلها على النزوح إلى المخيمات ومناطق المعارضة في إدلب.

بعد نزوحهم، أسس عدد من أهالي رتيان قرية جديدة قرب دير حسان بريف إدلب الشمالي، على أرض تبلغ مساحتها ألفي متر مربع. بُني فيها نحو خمسين منزلاً إسمنتياً، تؤوي حوالي ثمانين عائلة، بدعم من مجلس رتيان المحلي وعدد من المتبرعين.

تقرير سابق لمنصة سوريا 24 رتيان الجديدة:

عمر… البيت حلم العمر

في أحد أحياء رتيان، يعمل عمر عارف قوجة بيديه على إزالة الركام مما تبقى من منزله. يتحدث بحسرة، لكن بنبرة عنيدة: “أنا عامل على قد حالي.. بنيت هذا البيت من تعبي وشقى عمري. كل ما كنت أدخره كنت أبني فيه غرفة وأسكن، ثم أدخر مرة أخرى من عملي لأكسوها، حتى أكملت البناء في 2012. اضطررت للاستدانة لأكمله وسددت ديوني… وحينما انتهيت، جاء القصف فهجّرنا. الحمد لله خرجنا سالمين، ورغم تهديم منزلي، سأعيد بناءه من جديد. أهم شيء أننا تخلصنا من النظام، وكلنا قادرون نرجع نعيش من أول وجديد”.

أبو صطيف: بين الركام والأمل

أما محمود جغل “أبو صطيف”، فحكايته تبدأ من لحظة تهجير قاسية في عام 2015 عندما تسللت قوات النظام وميليشيا حزب الله إلى القرية.

يقول لمنصة “سوريا 24”:

“تهجرنا إلى المخيمات، وبقينا هناك حتى لحظة التحرير.. عدنا بيوتنا نعم، لكنها مع الأسف كتلة من الركام.. لكن العودة أفضل من العيش في خيمة.. نعيد الإعمار تدريجيًا، نستدين، نشتغل، بس أهم شيء رجعنا”.

السكان: العودة رغم انعدام الخدمات

رغم هذا الأمل، تبقى التحديات كبيرة. يقول سكان رتيان العائدون إن معظمهم يعيشون في ظروف صعبة. بعضهم نصب خيمة فوق ركام منزله، وآخرون أغلقوا الأسقف بالشوادر ليسكنوا فيها، فالعودة – كما يؤكدون – هي الخيار الوحيد، فالمخيمات ليست حلاً، والخيمة لا تعني كرامة.

رئيس المجلس المحلي: نسبة الدمار 95%

من جهته، أوضح رئيس المجلس المحلي في رتيان، أحمد عبد الكريم طحّان، لمنصة “سوريا 24” أن البلدة تعاني من شلل شبه كامل في الخدمات. وقال: “لا توجد أي منشأة خدمية مؤهلة.. لا مدارس، لا مراكز صحية، لا فرن ولا كهرباء، ولا حتى شبكة مياه أو صرف صحي.. كل شيء مدمَّر أو منهوب”. وأضاف: “المنظمات قدّمت وعودًا محدودة جدًا، اقتصرت على جمع البيانات دون مشاريع قابلة للتنفيذ حاليًا”، موضحاً أنّ “نسبة دمار المنازل تتجاوز 95%، وأنّ معظم السكان من الفئات الهشّة ماديًا، ولا قدرة لهم على الترميم أو الإعمار”، مشيراً إلى عدم عودة سوى 150 عائلة من أصل نحو 4000 نسمة كانوا يسكنون البلدة.

الحلم الذي لا يموت

وبين الركام والماضي الثقيل الذي حاصر القرية لسنوات، تعيش رتيان اليوم بداية جديدة، بفضل إرادة أهلها الذين يحلمون أن تكون قريتهم شاهدة على انتصار الحياة على الخراب. وعلى الرغم من فرحة التحرير وسقوط النظام، إلا أنّ مخاوف الناشط عبد النور ما تزال موجودة، فمطالبه – كما مطالب جميع السوريين – بالحرية والكرامة وزوال الاستبداد هي ما ناضل من أجله هو ورفاقه وقدموا آلاف الشهداء على مذابح الحرية.

يختم عبد النور حديثه قائلاً: “نحن خرجنا مرغمين.. لكن عدنا بكرامة.. الثورة أعادتنا رغم مخاوفنا من المستقبل.. لكننا سنبقى نحرس الأمل”.

مشاركة المقال: