السبت, 15 نوفمبر 2025 02:27 PM

روسيا والصين والشرق الأوسط: لماذا رهان إسرائيل على واشنطن قد يكون طريقاً مسدوداً؟

روسيا والصين والشرق الأوسط: لماذا رهان إسرائيل على واشنطن قد يكون طريقاً مسدوداً؟

أثار "تسلل" المنافسين الدوليين للولايات المتحدة، وعلى رأسهم روسيا والصين، إلى منطقة الشرق الأوسط قلق الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال العقد الأخير. ورغم إعلان هذه الإدارات أن التصدي لصعود بكين يمثل أولويتها القصوى للحفاظ على هيمنة واشنطن على النظام الدولي، إلا أنها كانت تدرك أن هذه الهيمنة تستند إلى السيطرة الأمريكية على المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، ومن بينها منطقة الشرق الأوسط.

لا شك أن الحرب الإسرائيلية – الأميركية – الغربية على الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في المنطقة، تهدف إلى تحقيق عدة أهداف، في مقدمتها القضاء على هذه القوى أو إضعافها إلى الحد الأقصى، وإعادة "الحلفاء التقليديين" إلى بيت الطاعة الأميركي، بعد ميلهم المتزايد إلى تنويع الشراكات مع الأطراف الدولية. بمعنى آخر، فإن "العصا الغليظة" الإسرائيلية، التي أكدت هذه الحرب ارتباطها العضوي بالمركز الإمبريالي الأميركي، لم تستخدم فقط ضد من تصنفهم واشنطن أعداء، بل أيضاً لتطويع "الأصدقاء" وحملهم على الانصياع لإملاءاتها، بما في ذلك وقف تنامي علاقاتهم مع بكين وموسكو. وبالتالي، لن يكون أمام إسرائيل خيار سوى الوقوف مع الولايات المتحدة في مواجهتها الاستراتيجية مع هاتين القوتين الدوليتين، وهو ما سيترك تداعيات على موقفها من الكيان، على المديين المتوسط أو البعيد.

إن قرار روسيا والصين بالعودة إلى تأدية دور سياسي مباشر في الشرق الأوسط، يرتبط بسياقات جيوسياسية تعتمد فيها الولايات المتحدة استراتيجية عدوانية تجاههما تسعى إلى احتوائهما في جوارهما القريب، ووقف صعودهما كقوى دولية منافسة. وقد نسجت الدولتان علاقات اقتصادية وتجارية مع جميع دول المنطقة بلا استثناء، لكنهما امتنعتا عن تأدية دور سياسي لعدم استفزاز واشنطن، التي تعتبر المنطقة "منطقة مصالح قومية حيوية" لها. إلا أن خطاب الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، عن الاستدارة نحو آسيا في أواخر 2012، والانقلاب المدبر في أوكرانيا في 2014، والتدخل الروسي في القرم وفي شرق أوكرانيا، دفعا الدولتين إلى اتباع مقاربة جديدة في تعاملهما مع الولايات المتحدة.

لا يمكن فصل التدخل الروسي في سوريا سنة 2015 عما جرى في أوكرانيا قبل عام. وينطبق الأمر نفسه على الصين التي بدأت تعارض السياسة الأميركية تجاه إيران وسوريا، وتوسطت بين السعودية وإيران لتطبيع العلاقات بينهما، وهو ما تُوّج باتفاق بكين في 2023. وقد استفادت القوتان الدوليتان من وجود طلب على دورهما من قبل أطراف محور المقاومة المناهض للسيطرة الأميركية، ومن قبل حلفاء الولايات المتحدة التقليديين أيضاً.

إن تعزيز العلاقات بين روسيا والصين من جهة، وإيران من جهة أخرى، جاء رداً على سياسات أميركية معادية تجاه الدول الثلاث، وإن بقيت هذه العلاقات محكومة بسقف لا يرقى إلى مستوى التحالف الاستراتيجي الذي يجمع الولايات المتحدة بحلفائها الإقليميين وفي طليعتهم إسرائيل. أما دول المنطقة الصديقة لواشنطن، كتركيا والسعودية ومصر، فقد اتجهت إلى توثيق صلاتها ببكين وموسكو، نتيجة لقناعتها بالتراجع النسبي للنفوذ الأميركي عالمياً، ولأزمات الثقة المتكررة بينها وبين الأميركيين، ولرغبتها في تنويع الشراكات في علاقاتها الخارجية. ثم أتت الأزمة الأوكرانية لتظهر أن دول المنطقة بمجملها، باستثناء الكيان الصهيوني، ترفض الانصياع للإملاءات الأميركية في ما يتعلق بالعقوبات على روسيا، وأنها، عبر تمسكها باتفاق "أوبك +"، أتاحت لموسكو القدرة على الاستمرار في تمويل مجهودها الحربي. ومن البديهي أن مثل تلك التطورات تتناقض مع المصالح الاستراتيجية لواشنطن.

أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإن اعتبارات سياسية واقتصادية وتكنولوجية تحكم علاقات روسيا والصين معها. وكثيراً ما يذكر بعض المسؤولين في روسيا بالعلاقات التاريخية والإنسانية التي تجمع بينها وبين الكيان الصهيوني، وأولها وجود حوالي المليون من الناطقين بالروسية فيها. وقد يكون هذا المعطى من بين الأسباب التي تحمل موسكو على الحرص على هذه العلاقات، إضافة إلى رهانها على عدم نقل إسرائيل لتكنولوجيا عسكرية متطورة إلى الطرف الأوكراني، أو على قيام اللوبي الصهيوني في الغرب بحملات لصالحها لتخفيف العداء ضدها. كما توجد أيضاً الصلات المالية الوطيدة بين بعض قطاعات النخب الاقتصادية الروسية والإسرائيلية.

على أن مثل هذه الرهانات ستخيب في حال احتدام الصراع في أوكرانيا بين روسيا والغرب، لأن إسرائيل لا تملك ترف المضي في سياسة النأي بالنفس حياله. كما أن ارتفاع حدة المواجهة بين الصين والولايات المتحدة سيضطر الكيان للتموضع إلى جانب راعيه الأكبر. وعليه، فإن محاولة الحفاظ على علاقات مميزة مع كيان بات محمية أميركية، ستبوء بالفشل حتماً.

مشاركة المقال: