الأربعاء, 23 أبريل 2025 07:30 AM

ساحة الحطب في حلب: ذاكرة المدينة تستعيد رونقها بعد سنوات الحرب

ساحة الحطب في حلب: ذاكرة المدينة تستعيد رونقها بعد سنوات الحرب

تجلس أم آكوب على طرف ساحة الحطب، تتأمل العمال وهم يعيدون ترتيب حجارة المكان الذي رافق طفولتها وشبابها. السيدة الأرمنية الستينية لا تخفي تأثرها؛ فهذه الساحة ليست مجرد مساحة حجرية بالنسبة لها، بل قطعة من الذاكرة… بل المدينة كلها كما عرفتها. تشير إلى الدكاكين الفارغة التي هجرها أصحابها، وإلى مكان القهوة على يمين الساحة، وعدد من محلات الذهب على يسارها. تستذكر أسماء العائلات التي كانت تملأ المكان بالحياة: آل اسطنبلي، مرجانة، وآخرين. وتتابع: “كنا نمر من هنا إلى ساحة السبع بحرات، ومنها إلى أسواق المدينة. كانت هذه الساحة نقطة لقاء للجميع. كنا نعيش كأسرة واحدة. اليوم، لا نريد وعودًا ولا مشاريع شكلية، فقط أن يُعاد المكان لأهله، وأن يكون العمل لصالح الناس، لا تكرارًا لما عانيناه سابقًا”.

من ذاكرة المدينة… ساحة الحطب وحيّ الجديدة

يعود تأسيس حي الجديدة إلى أوائل القرن الخامس عشر، حين تعرّضت مدينة حلب لغزو القائد المغولي تيمورلنك عام 1400، الذي ارتكب مذابح جماعية في حق السكان، وأمر ببناء برج من عشرين ألف جمجمة خارج المدينة. بعد انسحاب المغول، عاد السكان المسلمون إلى أحيائهم، في حين لم يُسمح للسكان المسيحيين، الذين نزحوا أثناء الغزو، بالعودة إلى حيّهم في المدينة القديمة. وفي عام 1420، أسسوا حيًا جديدًا في الضواحي الشمالية خارج الأسوار، عُرف لاحقًا باسم حي “الجديدة”. أصبحت ساحة الحطب مركزًا لهذا الحي، محاطة بالكنائس، الحمامات العامة، الخانات، والكاروانسرات، لتتحول سريعًا إلى أحد أنشط المراكز التجارية والثقافية في حلب، وتبلغ مساحتها نحو 2500 متر مربع.

الترميم… محاولة لإعادة الروح

في خطوة تهدف إلى إعادة إحياء قلب المدينة القديمة، أطلق مجلس مدينة حلب، بدعم من منظمات إنسانية، مشروعًا لتأهيل ساحة الحطب والممرات المحيطة بها. يشمل المشروع: تأهيل شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء، تبليط الأرضيات، تركيب إنارة حديثة، زراعة أشجار، تثبيت مقاعد مخصصة للجلوس. يقول المهندس مصطفى قرنفل، مدير المشاريع في مجلس المدينة والمشرف على تنفيذ العمل لمنصة سوريا 24: “نحن لا نعيد فقط بنية تحتية، نحن نعيد نبض المدينة. هذه الساحة ليست كغيرها، إنها جزء من الوجدان الحلبي. وهدفنا أن تعود لتكون كما كانت، بل أفضل”. وكان المجلس المحلي في المدينة في عهد النظام السابق قد أعلن، في كانون الثاني/يناير 2021، عن رصد مبلغ 200 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 13,300 دولار أميركي، لإعادة تأهيل الساحة، وأسند الأعمال إلى مؤسسة الإنشاءات العسكرية. لكن يبدو أن الشركة لم تستكمل تنفيذ المشروع حينها، ما أثار حفيظة السكان، ودفعهم للتساؤل عن مصير الساحة، في وقت يرونها اليوم تُرمّم من جديد، دون أن يصدقوا تمامًا بأنها ستعود للحياة كما كانت.

شهادات من قلب المكان

من بين الذين عاشوا تحولات الساحة وتاريخها، يروي رضوان بي، أحد سكان الحي القدامى، بشغف واضح: “الحياة من دون ساحة الحطب لا طعم لها.. من 40 سنة وأنا هون.. قبل الحرب كانت دهب، وبعدها صارت خط جبهة، دمار وخوف.. اليوم، لما بشوفها عم تتعمر، بحس إنو الأمل رجع”. أما أبو قدّور، صاحب محل أغلق أبوابه منذ سنوات، فيستعيد طفولته بين أزقة الحي: “لعبنا هون وإحنا أطفال، كانت فيها ألعاب وحديقة. بآخر كم سنة، كان وضعها سيئًا جدًا… دمار، خوف، نزوح. وإن شاء الله، ترجع أحسن من أول وأكوس”. مدينة تبحث عن ذاتها بين حنين الماضي وأمل الغد، تعيش ساحة الحطب لحظة فارقة. فإما أن تعود كما كانت: مركزًا نابضًا بالحياة والتنوع، وإما أن تبقى مشروعًا آخر على الورق. السكان لا يطلبون الكثير؛ فقط أن تعود الحياة، أن تعود الذكريات، وأن يشعر الناس بأن المدينة تنبض مجددًا لأجلهم. وتختم أم آكوب حديثها بكلمات تختصر المشهد كله: “نحن لا نطلب المستحيل… فقط أن تُعاد حلب إلينا، كما أحببناها وعشناها… حلب هي عيوننا”.

مشاركة المقال: