الأحد, 16 نوفمبر 2025 09:49 PM

سامر بكور يكشف تعقيدات الشمال السوري في الجزء الثاني من "التغريبة السورية"

سامر بكور يكشف تعقيدات الشمال السوري في الجزء الثاني من "التغريبة السورية"

في الجزء الثاني من كتابه "التغريبة السورية: الحرب الأهلية وتداعياتها المجالية والسكانية 2011-2020"، يواصل الباحث سامر بكور استكشافاته التي بدأها في الجزء الأول حول الجنوب والوسط والساحل السوري، لكنه يركز هذه المرة على المناطق الأكثر تعقيدًا في سوريا، وهما الشمال الشرقي والشمال الغربي.

يوثق الكتاب التحولات الجغرافية والبشرية التي شهدتها المنطقة، ويحلل خريطة القوى المسلحة المتنافسة على السيطرة، مع رصد الأسباب التي أدت إلى خسارتها للأراضي التي استولت عليها خلال سنوات الحرب. يعتمد بكور على إطار نظري واسع، مستندًا إلى مفاهيم الواقعية في العلاقات الدولية، مؤكدًا أن الحرب هي أداة لإنتاج السلطة، كما يرى تشارلز تيلي بأن "الحرب تصنع الدولة والدولة تصنع الحرب".

يستحضر المؤلف تعريف فيبر للدولة بوصفها صاحبة "احتكار القوة المشروعة"، مبيّنًا كيف أن محاولات سلطات الأمر الواقع، في غياب الشرعية والاحتكار، أدت إلى تآكل نفوذها. كما يستند إلى أبحاث معاصرة مثل أعمال "كير–ليندسي وستانسفيلد وكاسبرسن" لفهم العلاقة بين "الدولة الأم" والقوى المنفصلة عنها، وكيف يحدد الدعم الدولي أو فقدانه درجة استعداد هذه القوى للتنازل أو الصمود.

يقدم الكتاب سردًا تفصيليًا لتحولات السيطرة في محافظات الدراسة، والتي شهدت ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، و"هيئة تحرير الشام"، و"الجيش الحر"، وغيرها من أنماط الحكم المختلفة، التي تشابهت في إحداث تغييرات بنيوية وسكانية عميقة. يشرح بكور كيف أدت التحالفات المتقلبة بين هذه القوى، وتدافع الدعم الإقليمي والدولي، إلى صراعات داخلية مزمنة، قلما تناولتها الأبحاث الأكاديمية. ويستشهد في هذا السياق بدراسات نادرة تناولت "قتال الإخوة" بين الفصائل، مسلطًا الضوء على مساحات غير مستكشفة في تحليل "الديناميات" الداخلية للجماعات المسلحة.

يتتبع الكتاب التغييرات على الأرض منذ خروج قوات النظام السابق من الشمال، مرورًا بتمدد التنظيمات الجهادية والقومية، وصولًا إلى استغلال النظام لانشغال خصومه بصراعاتهم الداخلية، ليستعيد أجزاء من دير الزور والرقة وحلب وإدلب. ويخلص إلى أن القوى المتصارعة، بمن فيها النظام السابق، أخفقت في بناء نموذج حكم مستقر، ما يجعل جميعها "دولًا فاشلة" بحكم العجز عن ضبط الأرض والسكان وإدارة الموارد، بحسب تعبير الكاتب.

يركز الجزء الثاني على آثار الحرب في البشر قبل الجغرافيا، والتهجير الواسع، والقصف الممنهج، والحصار، والتجويع، والتطهير العرقي والطائفي، وسياسات مصادرة الأملاك ومنع العودة، موثقًا كيف تحول الشمال السوري إلى خريطة ديموغرافية جديدة بالكامل. ويعتبر المؤلف أن هذه التحولات تمثل "قنبلة ديموغرافية" مرشحة للانفجار، بما قد يخلف "تشظيات" سياسية ومجتمعية يصعب احتواؤها.

الكتاب ليس مجرد تأريخ للحرب، بل قراءة للفوضى التي تشكلت في الشمال السوري، وتحولت إلى معمل لإنتاج سلطات متنافرة، تبحث كل منها عن شرعية ضائعة.

مشاركة المقال: