الخميس, 8 مايو 2025 10:53 AM

سوريا بعد الأسد: أوروبا بين دعم التحول الديمقراطي ومخاوف عودة الاستبداد

سوريا بعد الأسد: أوروبا بين دعم التحول الديمقراطي ومخاوف عودة الاستبداد

يعترف الأوروبيون في جلساتهم ومناقشاتهم الخاصة بأن التطورات التي شهدتها سوريا أواخر العام الماضي، وأدّت إلى انهيار نظام بشّار الأسد على مرأى من حليفه الروسي، كانت مفاجأة كبرى لأجهزة المخابرات، لكنهم اليوم منشغلون بمصير التحول في هذا البلد الذي يرون الأمل فيه «معلقاً بخيط رفيع». ويتبنّى معظم المحللين الاستراتيجيين في الاتحاد نظرية مفادها أن ما حصل في سوريا كان ثمرة تفاهم بين موسكو والإدارة الأميركية الجديدة، ضمن صفقة واسعة بدأ التفاوض حول تفاصيلها بُعيد إعلان فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مطالع نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وكان عنوانها الرئيسي إنهاء الحرب في أوكرانيا، والتفرّغ لتحديد المعالم الجديدة للمشهد الجيوستراتيجي الدولي.

إلى جانب ذلك، يرى كبار المسؤولين في المفوضية الأوروبية أن ما حدث في سوريا، والسرعة القياسية لعملية سقوط النظام السابق وانتقال السلطة إلى الحكومة الجديدة من غير مواجهات عسكرية تذكر، يشكّل فرصة ثمينة جداً لإخراج الأزمة السورية من الركود المتمادي الذي يهدد وحدة هذا البلد، ويفتح أبواب التناحر على تقسيمه إلى دويلات هشّة وتحويلها إلى أدوات لصراع إقليمي على مناطق النفوذ. ولا يخفي الأوروبيون ارتياحهم لكون التطور السوري مدخلاً لمعالجة أزمة النزوح والهجرة التي تلقي بثقلَيْها المادي والاجتماعي، وتداعياتها السياسية، على الداخل الأوروبي، فضلاً عن أنه يشكّل انتكاسة كبيرة للمشروع الإيراني في المنطقة.

سوري يسير في ساحة الكرامة في جرمانا
سوري يسير في ساحة الكرامة في جرمانا (رويترز)

خواصر الشرق الرخوة

من الثوابت الراسخة في السياسة الشرق أوسطية للاتحاد الأوروبي، وللدول الأعضاء الوازنة، أن للوضع السوري دوراً محورياً في استقرار هذه المنطقة التي تعدّ عمقاً أمنياً استراتيجياً تاريخياً للمشروع الأوروبي، في الوقت الذي تشكّل فيه منذ عقود طويلة إحدى خواصره الرخوة ومصدر قلق أمني دائماً من تداعيات أزمات متكررة تعصف بها. وليس أدلّ على الاهتمام الأوروبي بتطورات الوضع السوري من مؤتمر الدعم الذي ينظمه الاتحاد منذ 9 سنوات لتحشيد المساعدات المالية لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين، والتمهيد للمصالحة الوطنية، والشعار الذي انعقد تحته هذه السنة «»، وهو شعار يعكس مدى الترحيب الأوروبي بسقوط النظام السابق وانتقال السلطة إلى الحكومة الجديدة، والحرص على عدم إفشال العملية الانتقالية، خاصة في ظرف جيوستراتيجي دولي معقد، يستنزف طاقات سياسية ومادية أوروبية.

فائضةً كانت الحفاوة التي استقبل بها وزراء الخارجية الأوروبيون نظيرهم السوري، أسعد الشيباني، في مارس (آذار) 2025، بعد أن كان تهافت العديد منهم إلى دمشق في الأيام الأولى لتسلّم أحمد الشرع السلطة. وفي مؤتمر الدعم، رفع الاتحاد سقف التزامه المالي إلى 2.5 مليار يورو حتى نهاية العام المقبل، فضلاً عن المساعدات الفردية التي أعلنتها الدول الأعضاء، وفي طليعتها ألمانيا التي تعهدت بتقديم 300 مليون يورو لتلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين في الداخل السوري، وتسهيل عودة أعداد من اللاجئين في ألمانيا.

طي الحقبة الأسدية

سمع الشيباني في بروكسل كلاماً كثيراً عن الارتياح الأوروبي لطي صفحة الحقبة الأسدية، وعن الحرص على مواكبة الحكومة الانتقالية في سعيها لإرساء نظام جديد على أسس مستقرة، والاستعداد لدعمها وإلغاء العقوبات والقيود المفروضة على النظام السابق. لكنه سمع أيضاً، وعلى لسان أعلى المسؤولين في الاتحاد، اشتراطاً واضحاً وثابتاً لهذا الدعم بإقامة نظام شامل يحترم حقوق جميع الأقليات ويحميها، ويتبنّى حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويقرن القول بالفعل في تعهده بالكشف عن مرتكبي الانتهاكات الأخيرة في الساحل السوري وإحالتهم أمام القضاء.

رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين ذكّرت بأن المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء خلال السنوات الثماني المنصرمة بلغت 37 مليار يورو، وأكّدت أن الاتحاد سيبذل ما بوسعه ليتحقق حلم السوريين بدولة يستطيع كل مواطن فيها التعبير عن رأيه بحرية، وتتساوى فيها حقوق الجميع بغض النظر عن العرق أو الدين أو المعتقد السياسي. وقالت فون دير لاين موجهةً كلامها إلى الشيباني: «كل خطوة تقومون بها في الاتجاه الصحيح سنقابلها بخطوة لمساعدتكم»، منوّهة بالاتفاق الذي وقعته الحكومة الجديدة مع «قوات سوريا الديمقراطية»، واعتبرته «خطوة تاريخية في الاتجاه الصحيح». ودعت رئيسة المفوضية إلى التعاون من أجل معرفة مصير ما يزيد على 150 ألف مفقود، خاصة في سجون النظام السابق، وأعربت عن استعداد الاتحاد لدعم الجهود الدولية في هذا الصدد. كما شدّدت على أهمية تدمير جميع الأسلحة الكيميائية في سوريا بإشراف الأمم المتحدة.

الرئيس السوري أحمد الشرع وعقيلته لطيفة الدروبي يستقبلان أطفالاً سوريين في قصر الشعب بدمشق
الرئيس السوري أحمد الشرع وعقيلته لطيفة الدروبي يستقبلان أطفالاً سوريين في قصر الشعب بدمشق (أ.ف.ب)

هل تنتقل سوريا إلى «طغيان الأكثرية»؟

المسؤولة عن الشؤون الخارجية وسياسة الأمن الأوروبية كايا كالّاس شددت على أهمية مضاعفة الجهود لدعم السوريين في هذه المرحلة، لكنها نبّهت إلى أن أحداث العنف التي وقعت مطلع مارس في الساحل السوري، أرخت ظلالاً من القلق بين الدول الأعضاء، كما أثارت المخاوف من أن ينتقل الحكم من «استبداد أقلية إلى طغيان الأكثرية على حساب الحريات الأساسية واحترام حقوق الإنسان».

وقالت كالاس: «الأمل في سوريا يتدلّى معلّقاً بخيط رفيع، ما يبيّن أننا بحاجة لنقوم بالمزيد كي نتأكد من أن سوريا تسير في الاتجاه الصحيح». وبعد أن حذّرت كالّاس من أن فشل المرحلة الانتقالية في سوريا، أو انحرافها عن مسار بناء الدولة الديمقراطية الجامعة، سيجلب المزيد من المعاناة للشعب السوري ويمهّد لصراعات جديدة في المنطقة، قالت إن «المؤتمر التاسع لدعم الشعب السوري رسالة دعم أوروبية لعملية انتقال سلمي وجامعة يقودها السوريون بأنفسهم. وهو دليل على التزام المجتمع الدولي بتوفير عبور آمن لجميع السوريين نحو مستقبل يقوم على العدل والمصالحة واحترام الأقليات، بوصفها شروطاً أساسية للإعمار بعد عقود من الرعب والمعاناة».

ما سمعه الشيباني في بروكسل

وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي تستضيف بلادها ما يزيد على مليون لاجئ سوري، قالت إن ثمة إجماعاً بين الدول الأعضاء حول تقديم كل الدعم الممكن للشعب السوري في طريقه نحو الحرية والسلام، وإن الاتحاد سوف يواصل سياسة رفع العقوبات الاقتصادية والمالية بالتزامن مع الخطوات العملية التي تتخذها الحكومة الانتقالية في الاتجاه الصحيح.

لكن إلى جانب الكلام الداعم الذي سمعه الشيباني من نظرائه والمسؤولين الأوروبيين، ممهوراً بتحذيرات وتنبيهات، كان هناك كلام آخر دار على ألسنة وزراء خارجية الاتحاد في الاجتماع المغلق الذي عقدوه قبل استقبالهم الوزير السوري. كلام يشكّك في نوايا الحكومة الانتقالية، وقدرتها على احتواء العناصر المتشددة حيال الأقليات والحريات العامة، ومدى استعدادها لبناء نظام تعددي حقيقي يجمع في مؤسساته بين الأطياف العرقية والدينية ويحميها. كان التوافق واضحاً بين الدول الأعضاء حول ضرورة إبقاء النظام الجديد تحت المجهر ومراقبة خطواته، وربط المساعدات ورفع العقوبات بالتدابير العملية التي يتخذها.

بطريرك السريان الأرثوذكس لأنطاكية وسائر المشرق أغناطيوس أفرام الثاني خلال احتفالات عيد الفصح في دمشق
بطريرك السريان الأرثوذكس لأنطاكية وسائر المشرق أغناطيوس أفرام الثاني خلال احتفالات عيد الفصح في دمشق (إ.ب.أ)

ما علاقة سوريا باليمين الأوروبي؟

وحذّر وزراء أوروبيون من أن الاندفاع في دعم النظام السوري الجديد من غير ضوابط وشروط واضحة، خاصة فيما يتعلق باحترام الحريات الأساسية وحماية الأقليات، من شأنه أن يعطي وقوداً  للتيارات اليمينية المتطرفة التي بات بعضها قاب قوسين من الوصول إلى الحكم في عدد من الدول الأعضاء. وشدّدت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية في احاطتها أمام الوزراء على أهمية التشاور والتنسيق مع الجهات الإقليمية الوازنة، وبخاصة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، خاصة بعد الانكفاء في موقف الولايات المتحدة التي اكتفت بإرسال ممثلة من الدرجة الثالثة إلى مؤتمر دعم سوريا، ولم تعلن عن أي تعهد مالي.

وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، الذي كانت بلاده سبّاقة إلى التمهيد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق حتى قبل سقوط الأسد، لخّص الموقف الأوروبي الراهن من التحول في سوريا بقوله في الجلسة المغلقة، إن «الاتحاد لا يملك اليوم ترف الامتناع عن بذل كل جهد ممكن للحيلولة دون فشل النظام الجديد في سوريا، أو حتى التردد أو الإبطاء في ذلك».

مشاركة المقال: