الجمعة, 9 مايو 2025 02:38 AM

سوريا: تأخر العدالة الانتقالية يُعمّق جراح الضحايا ويُفلت المجرمين من العقاب

سوريا: تأخر العدالة الانتقالية يُعمّق جراح الضحايا ويُفلت المجرمين من العقاب

لم تكن سعاد عبد الله تعلم أن وداعها لابنها فادي في صباح أحد أيام عام 2013 سيكون الأخير. خرج الشاب العشريني من منزله في ريف دمشق ولم يعد، ومنذ ذلك الحين، لا تملك والدته سوى صورة قديمة ورسالة صوتية أرسلها لها قبيل اعتقاله، في وقت ما يزال مصيره مجهولًا. “أطالب بالعدالة… أريد أن أعرف أين ابني، هل ما زال حيًا أم قُتل تحت التعذيب؟ لم نحصل على حقه حتى الآن”، تقول سعاد بصوت يملؤه الألم، مجسدةً مشاعر آلاف الأمهات السوريات اللواتي فقدن أبناءهن في أقبية النظام السوري دون محاسبة أو إنصاف.

مطلب شعبي ومظلومية مستمرة

بات تطبيق العدالة الانتقالية اليوم مطلبًا جامعًا للسوريين، لا سيما لأهالي الضحايا والمعتقلين والمغيبين قسرًا، فالسنوات الطويلة من القصف والاعتقال والتعذيب والانتهاكات الجسيمة خلفت جراحًا غائرة لم تندمل، وضحايا لم يُنصفوا، فيما لا يزال مرتكبو الجرائم أحرارًا داخل سوريا وخارجها. وفي حديث خاص لمنصة SY24، أوضح المحامي عبد الكريم الثلجي أن “الجهة التي تملك قرار تطبيق العدالة الانتقالية هي الحكومة السورية، ممثلة بالقيادة السياسية، مع ضرورة إشراك ذوي الضحايا والمنظمات الحقوقية السورية والدولية المعنية، مثل اللجنة الدولية لشؤون المفقودين”. وشدد الثلجي على أن هذا المسار “جماعي”، ولا يمكن تحقيقه دون تعاون مؤسساتي وقانوني واسع النطاق، يتضمن تأسيس هيئة مختصة ووطنية لمتابعة ملف العدالة الانتقالية.

إلا أن هذا المسار يواجه عقبات قانونية كبيرة، أبرزها غياب هيئة تشريعية فاعلة. ويوضح الثلجي أن “غياب مجلس تشريعي حقيقي يحول دون إصدار القوانين اللازمة لتشكيل هيئات قضائية ومحاكم مختصة، كون إنشاء أو إلغاء المحاكم لا يتم إلا عبر القانون”. وأضاف أن المرحلة المقبلة قد تشهد إطلاق مجلس تشريعي مؤقت لتولي هذه المهمة، لكنه لا يزال في طور النقاش.

ضعف الموارد… عقبة إضافية

فضلًا عن التحديات القانونية، يشير الثلجي إلى معضلة أخرى لا تقل أهمية، وهي ضعف الموارد الاقتصادية واللوجستية اللازمة لتنفيذ برامج العدالة الانتقالية، التي تتطلب كوادر مؤهلة، ومكاتب متخصصة، وأنشطة توثيق وتحقيق دقيقة، مشيرًا إلى أن “تطبيق هذه الآليات يحتاج إلى تمويل كبير وإرادة سياسية واضحة”.

بلا عدالة لا استقرار

يبقى جوهر القضية في مطلب السوريين الأساسي: العدالة لا الانتقام، فهؤلاء لا يسعون إلا إلى إنصاف من فقدوا، ومحاسبة من أجرم، في ظل قناعة راسخة بأن لا استقرار ولا مستقبل لسوريا دون كشف الحقيقة وتحقيق المحاسبة. تقول سعاد عبد الله: “لا نريد شيئًا سوى معرفة مصير أبنائنا، وأن يُحاسب من اعتقلهم وعذبهم… فلا سلام بوجود المجرمين بيننا”.

مشاركة المقال: