الإثنين, 11 أغسطس 2025 03:55 PM

سوريا تواجه "التطرف المناخي": تحولات بيئية خطيرة تهدد مستقبل البلاد

سوريا تواجه "التطرف المناخي": تحولات بيئية خطيرة تهدد مستقبل البلاد

عنب بلدي – كريستينا الشماس

تشهد سوريا في السنوات الأخيرة تحولات مناخية مقلقة تتجلى في ظروف جوية قاسية وأحداث بيئية غير معتادة، مما ينذر بتغيرات جذرية في الطقس المعتدل الذي عرفت به البلاد. يظهر هذا "التطرف المناخي" بوضوح في موجات الحر الطويلة، والعواصف المفاجئة، وحرائق الغابات المدمرة.

من أبرز الأمثلة على هذه التحولات، حرائق الساحل السوري في الصيف الحالي، التي أتت على مساحات شاسعة من الغابات، وألحقت أضرارًا بالبيئة والحياة البرية، وأثرت بشكل مباشر على حياة الناس واقتصاد المنطقة.

وفقًا لإحصاءات وزارة الإدارة المحلية والبيئة السورية، احترق نحو 20,000 هكتار من أشجار الصنوبر والسنديان، وهي مساحة تعادل 28,000 ملعب كرة قدم. كما تضررت 60 قرية، وتعرض 5000 شخص لخسائر مباشرة، ونزح 1120 شخصًا من منازلهم، إضافة إلى توقف محطة كهرباء البسيط وانقطاع التيار عن آلاف المنازل.

تشير البيانات الرسمية إلى أن الغابات الطبيعية في سوريا لا تشكل سوى 1.26% من المساحة الكلية للبلاد، بينما تبلغ نسبة الغابات الطبيعية والمشجرة معًا 2.85%، وتتركز أكثر من نصف هذه المساحات في جبال الساحل، مما يجعل أي كارثة بيئية، مثل الحرائق، مؤثرة بشكل كبير على التنوع البيئي.

"تطرف مناخي"

المتخصصة البيئية رشا يوسف خدام، الحاصلة على ماجستير في الجغرافيا الطبيعية، صرحت لعنب بلدي بأن تغير المناخ أصبح قضية عالمية مقلقة، وأن الارتفاع في درجات الحرارة أخطر من أي كارثة طبيعية أخرى. وأضافت أن هناك تقارير علمية عالمية، منها تقرير المنظمة الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، تؤكد أن حرارة سطح الأرض ارتفعت بمقدار 1.09 درجة مئوية بين عامي 1850 و2020، مما يعني أن العالم يقترب بسرعة من مرحلة الخطر، حيث من المتوقع أن ترتفع الحرارة العالمية 1.5 درجة خلال العقدين المقبلين.

لم تعد موجات الجفاف أو العواصف أو الفيضانات أمورًا نادرة في سوريا، بل باتت تشهد "تطرفًا مناخيًا غير مسبوق"، مع تغيرات جوية مفاجئة وغير موسمية. وتشير الأرقام إلى أن متوسط درجات الحرارة في سوريا ارتفع بمقدار 1.68 درجة خلال العقد الماضي (2014-2024)، وهو معدل أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 0.24 درجة في العقد بين 1990 و2020، بحسب خدام.

أوضحت خدام أن هذه الظواهر ليست مجرد حالات عابرة، بل إنذار واضح على دخول سوريا مرحلة مناخية جديدة، تهدد الأمن المائي والغذائي، وتؤثر على البنية التحتية وحياة السكان. ورغم أن سوريا ستبقى مناخيًا ضمن النطاق المتوسطي، فإن التوقعات تشير إلى زيادة متواصلة في الظواهر المناخية القاسية، مثل موجات الحر الشديدة والجفاف، بفعل استمرار انبعاثات الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان.

تدهور التنوع البيولوجي

هناك جانب مثير للقلق وهو تأثير التغير المناخي على التنوع البيولوجي، بحسب المتخصصة البيئية رشا خدام. فالتنوع البيئي الذي نعرفه اليوم هو نتيجة مليارات السنين من التطور، لكنه مهدد الآن بشكل متزايد، لأن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار °1.5 يتسبب بتدمير النظم البيئية والبحرية، وفقدان الأنواع المحلية، وزيادة الأمراض والأوبئة لكثير من أنواع النباتات، وهجرة أنواع وأصناف من الطيور، فضلًا عن أن أكثر من مليار شخص يعتمدون على الطبيعة والغابات بكسب لقمة عيشهم.

ومع التطور الصناعي وزيادة نسبة الانبعاثات، تبدو الطبيعة في أزمة خانقة، وفقًا لخدام، فحوالي مليون نوع نباتي مهدد بالانقراض، والعديد من الغابات ستختفي في حلول عقود، لذا من الضروري حماية الغابات الطبيعية وإدارتها واستعادة ما تبقى منها.

الغابات هي "مصارف الكربون"، إذ تمتص أكثر من نصف انبعاثات الكربون، لكن أين هي اليوم؟ لقد فقدنا جزءًا كبيرًا منها.

رشا خدام

متخصصة بيئية

إجراءات احترازية

أشارت خدام إلى أن هناك إجراءات احترازية يمكن اتخاذها لمواجهة تحديات تغير المناخ في سوريا، قبل الوصول إلى نقطة "اللاعودة المناخية":

  • وضع أنظمة إنذار مبكر.
  • طرح خدمات المناخ لحماية المجتمعات والاقتصاد.
  • إعداد خطط متكاملة للاستجابة للجفاف.
  • إنشاء صندوق دعم وطني للكوارث الطبيعية.
  • خفض الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية المستقبلية.
  • دمج التكيف المناخي في التخطيط التنموي.
  • تحسين البنية التحتية في سوريا لمقاومة الكوارث، وأن تكون أكثر قدرة على التكيف مع التحديات المناخية مثل تطوير أنظمة الري المتقدمة، وتعزيز البنية التحتية الكهربائية المستدامة.
  • تعاون المجتمع العلمي العالمي، وتكاتف جميع الدول والأطراف بتوفير الدعم اللازم وتبادل المعرفة والخبرات.
مشاركة المقال: