السبت, 8 نوفمبر 2025 04:24 PM

سوريا توقع اتفاقيات ضخمة لتطوير قطاع الكهرباء باستثمارات دولية

سوريا توقع اتفاقيات ضخمة لتطوير قطاع الكهرباء باستثمارات دولية

في خطوة هامة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، أبرمت وزارة الطاقة السورية اتفاقيات امتياز نهائية لبناء وتشغيل ثماني محطات جديدة لتوليد الكهرباء، بطاقة إجمالية تصل إلى 5000 ميغاواط. يأتي هذا المشروع بالتعاون مع تحالف دولي تقوده شركة “أورباكون القابضة” القطرية، وبشراكة مع شركتي “جنكيز للطاقة” و”كاليون للطاقة” التركيتين، بالإضافة إلى شركة “باور إنترناشيونال” الأمريكية.

تأتي هذه الاتفاقيات استكمالاً لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها في 29 مايو الماضي، والتي وضعت الإطار العام للتعاون الاستراتيجي في قطاع الطاقة، وأرست الأساس لإطلاق مرحلة إعادة تأهيل وتطوير البنية التحتية الكهربائية في البلاد.

ترى وزارة الطاقة في هذه الخطوة تحولاً استراتيجياً نحو تحقيق الاستقرار في المنظومة الكهربائية، من خلال استخدام أحدث التقنيات وبإطار زمني يقدر بعامين على الأقل.

من التفاهم إلى التنفيذ: الاقتصاد يبدأ من الكهرباء

أوضح الخبير الاقتصادي محمد غزال، في حديث لموقع سوريا 24، أن الانتقال من مذكرات التفاهم إلى الاتفاقيات التنفيذية يؤكد جدية الدولة السورية في التحول إلى الفعل الاقتصادي الحقيقي. وأشار إلى أن هذه الخطوة ستساهم في تحريك العجلة الاقتصادية، ليس فقط من خلال زيادة الإنتاج الكهربائي، بل أيضاً عبر خلق فرص عمل وتنشيط الأسواق.

وأضاف غزال أن هذه المشاريع ستفتح الباب أمام مشاركة المقاولين المحليين والموردين وشركات الخدمات والورش الصغيرة، مما يعني تحريك رأس المال داخلياً ورفع النشاط التجاري والصناعي.

كما أشار إلى أن تحسن الكهرباء سيؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج وزيادة العرض، وبالتالي استقرار الأسعار على المدى المتوسط.

رؤية هندسية: بناء المحطات وصيانة الشبكة في آن واحد

من جهته، أكد المهندس أحمد عيشة، وهو مهندس سابق في شركة كهرباء حلب، أن إنشاء محطات توليد جديدة أصبح ضرورة وطنية، مشيراً إلى النقص الحاد في التوليد نتيجة قدم المحطات وغياب الصيانة.

وأوضح عيشة أن تنفيذ هذه المشاريع سيستغرق عامين على الأقل، مشدداً على أهمية تطوير الشبكة بالتوازي مع بناء المحطات الجديدة، وأن تصميم مجموعات التوليد والمحولات وربطها مع الشبكة السورية يتطلب عملاً هندسياً معقداً.

كما أكد أن تحالف “أورباكون” القطرية مع “جنكيز” و”كاليون” التركيتين و”باور إنترناشيونال” الأمريكية يمتلك الخبرة الكافية لتقديم الدعم الفني والتدريبي، مشيراً إلى أهمية تضمين العقود بنداً لتدريب الفنيين السوريين.

وأشار عيشة إلى أن نظام العقود الحالي BOOT يمنح الشركات حرية استقدام فنيين من الخارج، لكنه يتمنى أن تفرض الحكومة السورية بنوداً تلزم الشركات الأجنبية بتدريب الكوادر المحلية.

كما لفت إلى التحديات التي تواجه هذه المشاريع، بدءًا من صعوبة التمويل وتحويل الأموال، مروراً بالقيود المفروضة على استيراد التجهيزات الحساسة، وصولاً إلى الحاجة لاستقرار سياسي وأمني.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن هذه المشاريع ستنعكس إيجابياً على استقرار الشبكة وتحريك الاقتصاد السوري، مع ضرورة وجود سياسة حمائية متوازنة تدعم الإنتاج الوطني دون تعطيل الاستثمار الأجنبي.

بالأرقام..واقع الكهرباء

يجمع الخبراء على أن قطاع الكهرباء السوري تكبد خسائر تفوق 40 مليار دولار منذ عام 2011، نتيجة الدمار الذي طال المحطات والشبكات. وتمتلك البلاد 12 محطة توليد، إلا أن معظمها خارج الخدمة أو يعمل بطاقة محدودة، إذ لا تتجاوز القدرة التشغيلية الحالية 1300 ميغاواط، مقابل قدرة تصميمية تصل إلى 9000 ميغاواط.

ولتأمين الكهرباء على مدار الساعة، تحتاج سوريا إلى نحو 23 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً وخمسة آلاف طن من الفيول، وهي كميات تفوق الإمكانات المحلية الحالية. ولذلك، وقعت دمشق اتفاقية مع قطر لتوريد مليوني متر مكعب من الغاز يومياً عبر الأراضي الأردنية.

انعكاسات اقتصادية وتحديات التنفيذ

من جانبه، يرى الصحافي الاقتصادي مصطفى السيد أن هذه الاتفاقيات تمثل نقطة تحول مهمة في مسار إعادة الإعمار الاقتصادي، لكنه يقلل من أهمية المبالغة في التفاؤل قبل رؤية نتائج ملموسة على الأرض.

وأكد السيد أن نجاح هذه المشاريع مرتبط بعوامل كثيرة، أهمها الاستقرار المالي والسياسي، وإزالة العوائق أمام التحويلات المالية واستيراد المعدات الحساسة.

كما أشار إلى أن ربط أسعار الطاقة بالسوق العالمية قد يضر بالصناعة الوطنية، موضحاً أن الصناعيين المحليين يواجهون بالفعل صعوبات كبيرة في التكاليف وضعف التنافسية.

ودعا الحكومة إلى سياسة اقتصادية مرنة تراعي مصالح الصناعيين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حتى لا تتحول الشراكات الدولية إلى عبء على السوق المحلية.

نحو استقرار كهربائي وتنمية مستدامة

أكد وزير الطاقة السوري محمد البشير أن المشروع يمثل نقلة نوعية في تطوير البنية التحتية للطاقة، مشيراً إلى أنه سيساهم في تعزيز القدرة التوليدية واستقرار الشبكة الوطنية.

أما معتز الخياط، رئيس مجلس إدارة شركة “أورباكون القابضة”، فيعتقد أن هذه الشراكة تشكل نموذجاً تنموياً مستداماً يعزز ثقة الشركاء الدوليين بآفاق التعافي الاقتصادي في سوريا.

ومن المتوقع أن توفر هذه المشاريع عشرات الآلاف من فرص العمل، وتساهم في تحسين بيئة الاستثمار ورفع القدرة التنافسية للإنتاج المحلي.

ويجمع معظم الخبراء على أن هذه الاتفاقيات تمثل بداية حقيقية لإعادة بناء قطاع الكهرباء السوري بعد عقد من التدمير والعقوبات. ويعتقد عاملون في الشأن الاقتصادي أن الكهرباء هي المفتاح الأول لتعافي الاقتصاد السوري.

مشاركة المقال: