الأحد, 17 أغسطس 2025 02:16 AM

سوريا: لماذا التقسيم أو الفدرلة ليسا حلاً قابلاً للتطبيق؟

سوريا: لماذا التقسيم أو الفدرلة ليسا حلاً قابلاً للتطبيق؟

في ظل التطورات الجارية في سوريا، تطفو على السطح مقترحات عديدة بشأن مستقبل الدولة السورية وشكل نظامها السياسي والإداري. من بين هذه المقترحات، يبرز خيار الفدرلة أو التقسيم كحل محتمل للأزمة المستعصية، كما يرى البعض. ومع ذلك، فإن دراسة متعمقة للواقع السوري تكشف أن هذه الخيارات تنطوي على مخاطر تفوق بكثير الفوائد المتوقعة منها. السؤال الأهم يبقى: لماذا لا يمكن السماح بالتقسيم أو الفدرلة؟

أولاً، سوريا ليست دولة ذات أقاليم متميزة إثنياً أو طائفياً مثل بعض الدول الفدرالية (الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أستراليا، ألمانيا، سويسرا، إلخ). بل هي فسيفساء معقدة تتشابك فيها المكونات القومية (عرب، كرد، تركمان، آشوريون، أرمن...) والدينية (مسلمون، مسيحيون). هذا التداخل يجعل رسم حدود "فدرالية" أو "تقسيمية" أمراً شبه مستحيل دون اللجوء إلى الهندسة الديموغرافية (التهجير والتطهير السكاني)، وهو سيناريو يحمل بذور نزاعات طويلة الأمد.

ثانياً، تقع سوريا في موقع محوري يربط بين آسيا الصغرى وبلاد الرافدين وبلاد الشام. أي أن تفكيك سوريا سيؤدي إلى نشوء كيانات ضعيفة مفتوحة أمام التدخلات الإقليمية والدولية. إضافة إلى ذلك، ترفض تركيا أي شكل من الكيانات الكردية المستقلة على حدودها، ويعاني العراق من هشاشة فدراليته وانقساماته الداخلية، ويخشى الأردن ولبنان، بطبيعتهما الهشة، انتقال عدوى التفكك. وبالتالي، فإن الفدرلة أو التقسيم في سوريا لن يبقى شأناً داخلياً، بل سيتحول إلى بؤرة صراع إقليمي مستدام.

منذ الاستقلال عام 1946، تشكّل مفهوم "سوريا الواحدة" كجزء أساسي من الهوية الوطنية السورية. وعليه، فإن الفدرلة أو التقسيم يعني تكريس الطائفية والإثنية كأساس للحكم، وهو ما يتناقض مع طموحات غالبية السوريين الذين طالبوا بدولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة المتساوية لا على المحاصصة المجتمعية.

من المؤكد أن الحل لا يكمن في تقسيم الجغرافيا، بل في منح المحافظات القدرة على إدارة مواردها وخدماتها (التعليم، الصحة، التنمية المحلية)، بينما تبقى قضايا السيادة الكبرى (الدفاع، السياسة الخارجية، الاقتصاد الوطني) بيد الدولة المركزية. هذا النموذج يمكن أن يحقق توازناً بين احترام خصوصيات المكونات المختلفة والحفاظ على وحدة سوريا ككيان سياسي وجغرافي.

ختاماً، أي مشروع لتقسيم سوريا أو تحويلها إلى دولة فدرالية لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام الداخلي وفتح الباب أمام صراعات إقليمية جديدة. وبهذا المعنى، فإن مستقبل سوريا لا يُبنى على رسم خرائط جديدة، بل على صياغة عقد اجتماعي جديد يضمن المساواة والعدالة لجميع مواطنيها ضمن دولة واحدة موحدة.

مشاركة المقال: