السبت, 26 أبريل 2025 08:19 PM

سوريا وإسرائيل: هل يفتح التطبيع المحتمل صفحة جديدة في الشرق الأوسط؟

سوريا وإسرائيل: هل يفتح التطبيع المحتمل صفحة جديدة في الشرق الأوسط؟

هاشتاغ- متابعة

مؤشرات مبكرة لإمكانية التطبيع بين سوريا وإسرائيل قد تحدث هزة في المشهد السياسي وتعيد رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط بعد سقوط نظام الأسد، مما يفتح المجال لتوسيع اتفاقات ابراهام للسلام.

أعدت صحيفة (The Medialine) الأمريكية تقريراً مطولاً عن إمكانية تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، استناداً إلى تصريحات نقلها النائبان الأمريكيان مارلين ستوتزمان وكوري ميلز عن الرئيس السوري الجديد خلال لقائهما به في دمشق، تفيد بأن “سوريا منفتحة على التطبيع”.

وأكدت مصادر حكومية سورية للصحيفة صحة الرواية التي نقلها النائبان الأمريكيان عن الشرع ونشرتها وكالة بلومبرغ نيوز، وقالت المصادر إن “أي عملية تطبيع من هذا القبيل يجب أن تحافظ على وحدة سوريا وسيادتها الكاملة”.

توترات تاريخية وديناميكيات متغيرة

بدأ الصراع السوري الإسرائيلي في حرب عام 1948 مع إعلان قيام دولة إسرائيل، وانخرط البلدان في عدة مواجهات عسكرية، أبرزها حرب عام ١٩٦٧، التي احتلت خلالها إسرائيل الجولان، وحرب 1973 وغيرها من الاشتباكات في لبنان.

شهدت التسعينيات جهوداً سرية للمصالحة، لا سيما بعد مؤتمر مدريد وخلال عهد الرئيس حافظ الأسد. واستمرت المحاولات المتقطعة في عهد بشار الأسد، وخاصة بعد مؤتمر أنابوليس عام ٢٠٠٧. ومع ذلك، انهارت جميع المفاوضات بسبب رفض إسرائيل الانسحاب الكامل من الجولان.

ما يحصل غير معزول عن واقع مابعد هجوم ٧ أكتوبر

يقول نير بومز، رئيس منتدى أبحاث سوريا في مركز موشيه ديان بجامعة تل أبيب، أن التحولات الأخيرة في المنطقة تؤثر على حسابات دمشق، فما يحصل “لا يحدث بمعزل عن عوامل أخرى. نحن نعيش واقع ما بعد 7 أكتوبر” حيث ضعف المحور الإيراني وكذلك حزب الله وتعيش سوريا في وضع مختلف الآن، وبالتالي فإن المعارضة، التي تم تهميشها لسنوات، لديها الآن فرصة لرفع صوتها”.

ويشير إعلان الرئيس الشرع بأن “دمشق منفتحة على اتفاقيات إبراهام” مع إسرائيل إلى براغماتية سياسية من جهة، وتحوّل في الإستراتيجيات والديناميكيات الإقليمية في السنوات الأخيرة، من جهة ثانية، بحسب بومز.

فالديناميكيات الإقليمية الجديدة أظهرت تحولاً في المواقف العربية تجاه الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، بحسب الخبير الإسرائيلي، حيث لم تُغلق أي دولة عربية سفارتها أو تسحب دبلوماسييها من تل أبيب، بل على العكس، كانت العديد منها تُساعد “إسرائيل” في اعتراض الصواريخ الإيرانية.

ويوضح أن الخطوة السورية الجديدة لم تكن عشوائية، فهي تزامنت مع اعتقال دمشق لقادة الجهاد الإسلامي الفلسطيني وتأتي في إطار من إستراتيجية الضغط الأمريكية.

إعادة تقييم الوضع الإقليمي

وتنقل الصحيفة عن مصدر رفيع المستوى في وزارة الدفاع السورية قوله بأن إستراتيجية إسرائيل على مدى العقد الماضي ركّزت على “منع ترسيخ الوجود الإيراني” و”تحييد تهديدات حزب الله”. واليوم “تراقب تل أبيب عن كثب التطورات في دمشق، لا سيما في ضوء تحول ديناميكيات القوة عقب سقوط النظام السوري السابق. وقد يفتح هذا قناة دبلوماسية جديدة، وإن كانت حساسة سياسياً” بحسب المسؤول السوري.

ويرى بومز أيضاً بوادر تغيير داخل سوريا، لا سيما في شمال غرب البلاد، حيث يُظهر القادة المتشددون سابقاً بوادر إعادة تقييم.

ويوضح بومز ..”أنا جزء من مجموعة، تضم أشخاصاً تحدثوا مع الجولاني، تؤمن بوجود فرصة للتقدم في سوريا – إذا أحسنّا التصرف .. هناك بالتأكيد عناصر براغماتية حول الجولاني، وأعتقد أنه أبدى استعداداً لسلوك مسار جديد”.

التغييرات في الخطاب السياسي السوري تصاحبها رغبة أوسع في التعافي الوطني بحسب الخبير الإسرائيلي ويقول: “التقيت سوريين مثقفين وجادين يطمحون إلى مستقبل أفضل، يشمل الاستقرار وتحسين العلاقات. إنهم يدركون أن سوريا تعاني من مشاكل حقيقية وموضوعية. الصراع (مع اسرائيل) نسبي ويمكن حلّه. إذا كانت هذه التصريحات الجديدة للجولاني تدل على إرادة حقيقية، فأنا سعيد بذلك.”

أصوات المجتمع المدني والدبلوماسية الشعبية

في حين رحّب بعض الفاعلين السياسيين في سوريا بانفتاح الشرع على جهود السلام الإقليمية، أعرب آخرون عن شكوكهم، ويجادل المنتقدون بأن أي جهد للتطبيع يجب أن يستند إلى تفويض شعبي حقيقي وأن يرافقه إصلاحات سياسية محلية هادفة.

ترى شخصيات معارضة أن التطبيع أداة محتملة لكسب الدعم الدولي لإعادة الإعمار. ومع ذلك، يؤكدون أنه يجب ألا يكون على حساب العدالة في الانتهاكات الماضية، أو المساءلة خلال أي مرحلة انتقالية، أو حقوق اللاجئين.

وعن تطور العلاقات بين الشعبين، قال بومز “إنني على تواصل مع سوريين منذ 15 عاماً، واستضفت العديد منهم في منزلي. هذه العلاقات بالغة الأهمية. بين عام 1948 والحرب الأهلية السورية، لم يزر إسرائيل سوى عدد قليل جداً من السوريين. لكن في العقد الماضي، استضفت عدداً أكبر بكثير”، والآن “نعمل معاً في مبادرات المجتمع المدني وأشكال أخرى من التعاون”.

فوائد محتملة وتحديات جسيمة

بالنسبة لدمشق، يمكن أن يساعد التطبيع في إنهاء العزلة الإقليمية والدولية، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتسريع إعادة الإعمار، وإيجاد فرصة لتحقيق اختراق سياسي تدعمه الولايات المتحدة.

أما بالنسبة لإسرائيل، فيمكن أن يقلل التطبيع من النفوذ الإيراني على طول حدودها الشمالية، ويضمن وقف إطلاق نار دائم في مرتفعات الجولان، ويفتح المجال للوصول إلى الأسواق الإقليمية بما فيها سوريا، ويساعد على دمج سوريا في إطار أمني واقتصادي إقليمي تدعمه الولايات المتحدة.

لكن بومز يحذّر من أن هذه العملية ستتطلب الصبر والوضوح. وقال: “يجب أن يستغرق التطبيع وقتاً. إنه يتعلق ببناء الثقة. في الوقت الحالي، لا نفهم تماماً موقف القيادة السورية الجديدة، أو حجم نفوذها، أو حتى ما إذا كانت ستبقى في مناصبها. لكن حقيقة أن المناقشات جارية أمرٌ بالغ الأهمية”.

وعلى الرغم من الإشارات الواعدة، لا تزال هناك عدة عقبات رئيسية. من أبرزها وضع مرتفعات الجولان المحتلة، التي تُصرّ سوريا على استعادتها. تنظر إسرائيل إلى استمرار وجود القوات الإيرانية في سوريا على أنه تهديد وجودي. وينقسم الرأي العام في كل من سوريا والعالم العربي الأوسع حول التطبيع، لا سيما في ضوء تعثر التقدم في عملية السلام. بالإضافة إلى ذلك، قد تُقاوم كل من روسيا وإيران – حليفتا دمشق منذ فترة طويلة – التطبيع، معتبرتين إياه تهديداً لنفوذهما الإقليمي.

لكن بومز كشف أنه يعمل منذ مدة مع زملاء سوريين للبدء في صياغة أطر عمل محتملة. وقد “جرت محادثات خلال الأشهر القليلة الماضية حول كيفية بناء الثقة، وتحسين التواصل، وتعزيز العلاقات بين السوريين والإسرائيليين”.

ويعوّل بومز على تنامي البراغماتية السياسية الناشئة في المنطقة في مواجهة التطرف الذي يقود إلى الصراع الطويل. فالبراغماتية السياسية الناشئة تعكس رغبة في تفادي الصراع الطويل وما يحمله من سفك للدماء وحرمان الناس من التقدم والازدهار والتنمية.

طريق طويل نحو سلام مستدام

يبدو أن القيادة السورية الجديدة عازمة على إعادة تموضع البلاد دبلوماسياً. ويشير خطاب الشرع إلى انفتاح على الحوار، وإذا تطور هذا النهج إلى إستراتيجية ملموسة، فقد يُمثل نقطة تحول في العلاقات العربية الإسرائيلية، مع دخول دمشق – التي كانت في السابق معقلاً للمقاومة ضد إسرائيل – في إعادة تموضع إقليمي أوسع.

وشدد على ضرورة عدم تسييس عملية التطبيع موضحاً أن “الأمر لا يتعلق بتصريحات نتنياهو، ولا بعناوين رئيسية، بل بالتعاون التدريجي. فالإسرائيليون يعرفون السوريين بالفعل أكثر مما يظن معظم الناس، ولدينا أساس نبني عليه”.

“هناك إسرائيليون وسوريون يدركون أن هذه فرصة لتغيير الواقع – لإضعاف (محور المقاومة) وبناء ما أسميه محور النهضة”. وهذا يعني التواصل مع شركاء براغماتيين في المنطقة: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، وغيرها. ولإسرائيل والولايات المتحدة دورٌ في ذلك، كما يقول بومز.

يعتمد نجاح هذا التحول، بحسب الخبير الإسرائيلي، على توازنات القوى الإقليمية، ووضوح الإستراتيجية السياسية لسوريا، ودور الولايات المتحدة كوسيط موثوق.

مشاركة المقال: