الجمعة, 15 أغسطس 2025 10:30 PM

سوريا وتركيا توقعان مذكرة تفاهم عسكرية: تعاون استراتيجي ورسائل إقليمية

سوريا وتركيا توقعان مذكرة تفاهم عسكرية: تعاون استراتيجي ورسائل إقليمية

وقعت تركيا وسوريا مذكرة تفاهم للتدريبات والاستشارات العسكرية، في خطوة تعتبر بداية لمسار تعاون استراتيجي جديد بين البلدين. جاء ذلك بعد أشهر من المفاوضات واجتماعات مكثفة جمعت وزراء الخارجية والدفاع، بالإضافة إلى رئيسي المخابرات في كلا البلدين.

أفادت وزارة الدفاع التركية بأن المذكرة تهدف إلى التنسيق والتخطيط للتدريب، وتقديم الاستشارات، وتبادل المعلومات والخبرات، وتسهيل شراء المعدات العسكرية وأنظمة الأسلحة والمواد اللوجستية والخدمات ذات الصلة.

يرى مراقبون أن الجيش السوري يواجه حاجة ملحة لإعادة هيكلة شاملة بعد سنوات الحرب. وقد أشار مسؤول تركي سابقًا إلى وجود أوجه قصور في الانضباط والتدريب والتنظيم والتحديث. كما أعربت أنقرة عن قلقها بشأن عدم تنفيذ اتفاق آذار/مارس الماضي بين دمشق وقوات قسد، والذي يهدف إلى دمج عناصرها في مؤسسات الدولة السورية. وحذرت تركيا من إمكانية القيام بعمل عسكري ضد قسد إذا لم تتم معالجة مخاوفها الأمنية، خاصة بعد الاشتباكات الأخيرة والمطالبة بمراجعة الإعلان الدستوري السوري.

تعزيز الشرعية والضغط على التنظيمات الانفصالية

يرى أسامة الشيخ علي، الباحث في مركز “عمران” للدراسات، أن المذكرة تمنح العلاقات التركية السورية بعدًا استراتيجيًا جديدًا، يتجاوز الدعم العسكري المباشر ليشمل مجالات اقتصادية وأمنية ولوجستية. ويشير إلى أن بنود المذكرة تتضمن تقديم دعم لوجستي، وإجراء تدريبات متخصصة، والتعاون في مجال الدفاع السيبراني، ومعالجة قضايا إزالة الألغام، وتعزيز الانضباط العسكري، وتدريب القوات، وهي تحديات تواجه الجيش السوري.

ويضيف الشيخ علي أن الجيش السوري بحاجة إلى خبرات تركيا، التي تمتلك معايير عالية في العمل العسكري وتنتمي إلى حلف الناتو، معتبرًا أن هذه الاتفاقيات تدعم الحكومة السورية وتعزز شرعيتها. كما تمثل المذكرة أداة ضغط على قوات قسد لتقديم تنازلات والحفاظ على المسار التفاوضي مع دمشق.

انعكاسات إقليمية

إقليميًا، يعتقد الشيخ علي أن الاتفاق يمنح دمشق شعورًا بالارتياح في مواجهة الضغوط الإسرائيلية، ويحمل رسالة بأن الجيش السوري سيحظى بدعم وتدريب وتأهيل.

رسائل داخلية وخارجية متشابكة

يؤكد المحلل السياسي رضوان الأطرش أن الاتفاقية تحمل رسائل هامة على المستويين الداخلي والخارجي:

  • الرسائل الداخلية: إعادة ترتيب البيت الداخلي السوري، وتعزيز الروح الوطنية والمعنويات داخل الجيش والمؤسسات الأمنية.
  • الرسائل الخارجية:
    • إلى روسيا وإيران: دمشق تتحرك بمرونة سياسية وليست مرتهنة بالكامل لأي محور.
    • إلى الولايات المتحدة والغرب: سياسة العزل لم تمنع أنقرة ودمشق من إيجاد أرضية مشتركة.

التأثيرات الإقليمية المتوقعة

يرى الأطرش أن الاتفاقية قد تؤدي إلى تنسيق أمني وعسكري مشترك ضد قسد، وتقليص نفوذ واشنطن في شرق الفرات، وآلية مشتركة لضبط الحدود، وتقليص نشاط الوحدات الكردية المسلحة، أو دفعها للانضمام إلى مؤسسات الدولة السورية. وتهدف دمشق إلى ضبط أمنها القومي وأمن دول الجوار، في إطار أوسع من محاربة الإرهاب وإعادة الاستقرار.

دلالات المذكرة: ما بعد التوقيع

تتجاوز المذكرة كونها اتفاقًا فنيًا للتدريب العسكري، فهي تأتي في سياق إعادة ترتيب التوازنات في المنطقة. تسعى أنقرة لتأمين حدودها الجنوبية عبر تحييد التهديد الكردي، فيما ترى دمشق في التقارب مع تركيا فرصة لتعزيز سيطرتها وإعادة هيكلة جيشها. وقد يُنظر إلى هذه الخطوة كإشارة على أن الدولة ما تزال قادرة على إبرام اتفاقات دفاعية وتحالفات جديدة.

نحو شراكة أمنية واستراتيجية

تعتبر مذكرة التفاهم العسكرية بين تركيا وسوريا بداية لمسار طويل نحو شراكة أمنية واستراتيجية، وورقة ضغط متبادلة. تهدف أنقرة إلى تحصيل مكاسب أمنية عاجلة، فيما تراهن دمشق على استثمارها لتعزيز شرعيتها وإعادة تشكيل جيشها. تبقى المذكرة محطة أساسية في مسار العلاقات بين البلدين، وقد تشكل تحولًا مؤثرًا في المشهد السوري والإقليمي.

مشاركة المقال: