بيروت: غادا فؤاد السمّان - طلال أبوغزاله، المهتمّ بكلّ صغيرة وكبيرة، والشغوف بتقديم الأفضل، والمليء بالهواجس التي تدفعه للارتقاء الدائم، لا تتوقف مساعيه عند حدّ. لم يدّعِ يوماً الإلهام أو النبوءة، بل هو صاحب الجهد والاجتهاد والرؤية والمتابعة، ولا يتحدث عن أمر من فراغ التجربة، بل من صميم الخبرة العميقة التي اكتسبها من خلال استقراء الأحداث والمستجدات والثوابت على الصعيدين المحلي والدولي.
في الوقت الذي يفاجئنا فيه العالم بأزمات وصراعات متتالية، ينكبّ طلال أبوغزاله على إعداد كتاب لم يجرؤ على البحث فيه إلا القليل. هذا الكتاب، الصادر عن مجموعة أبوغزاله العالمية باللغتين العربية والإنكليزية، والذي سيوزّع في معظم أنحاء العالم، هو صوت الإصلاح الهادف. ففي عالم يعجّ بالأزمات، حيث يكون صوت الإصلاح أشبه بالهمس في مهبّ العاصفة، يمتلك طلال أبوغزاله الشجاعة الكافية لتحويل هذا الهمس إلى خطة طريق لتمهيد المرحلة القادمة بمنظار أكثر دقّة، فهو صاحب نظرة ثاقبة بعيدة المدى.
أقتطف من المحتوى العام للكتاب موجزاً شاملاً يتضمن أبرز النقاط التي تصدى لها كتاب "تحديث الأمم"، لأضع القارئ أمام هذا الإصدار الذي قارب المثول بين يديه، والذي يستهدف مختلف الشرائح الثقافية والفئات العمرية والمستويات الاجتماعية. يتطرق الكتاب إلى أهم ما يمكن قوله في الزمن الراهن لإعادة التأهيل والإصلاح اللازم لكثير من المعطيات التي تتلاءم ووعي الجيل القادم الذي ستحاصره التقانة الحديثة، حيث لا مفر من المطالبة بالتمهيد لواقع يختلف جملة وتفصيلاً عن الواقع الحالي على عدة أصعدة، وفق ما جاء:
"إذ تجد منظمة الأمم المتحدة نفسها أمام تحدّيات جسيمة، من تغيّر مناخي وتقدّم تكنولوجي سريع يكاد يفلت من السيطرة، إلى تصدّعات جيوسياسية خطيرة، فإنّها تقف اليوم عند مفترق طرق. ويصدر هذا الكتاب ليقدّم خطة إصلاح شاملة وجريئة لإعادة تشكيل المؤسسة متعدّدة الأطراف الأهم في العالم."
عبر عقود، قدّم الدكتور طلال أبوغزاله، والذي يُعد من الشخصيات المرموقة في تاريخ الأمم المتّحدة وأحد قادة الفكر والعمل المعرفي على المستوى العالمي، إسهاماتٍ بارزةٍ في إنجازات المنظمة، نالت تقدير الأمناء العامّين المتعاقبين. وفي هذا الكتاب، يوظّف أبوغزاله خبراته الواسعة ورؤيته العميقة، المستمدة من عقود من الانخراط المباشر في قضايا التنمية العالمية والتحول الرقمي والحوكمة الاستراتيجية، لتحديد طبيعة وشكل وحجم التغيير المنشود.
كتاب طلال أبوغزاله إذاً، ليس مجرّد كتاب يُضاف إلى المكتبة العربية أو الدولية، بل هو "مشروع" صادر عن خبرة حقيقية لشخصية عالمية مرموقة رفيعة المستوى يشهد لها الجميع. هو لا يهدف إلى انتقاد "المنظمة"، بل هو طرح عملي يعيد توجيه بوصلة منظّمة الأمم المتّحدة نحو مصلحة الإنسان، من خلال الإصلاح المؤسسي والحداثة التكنولوجية والأخلاقية.
لا شكّ أن الكتاب يسعى لردم الفجوة بين أداء المنظمة وطموحات الأجيال الجديدة بالحكمة والحنكة التي يمتلكهما طلال أبوغزاله، من خلال الأدوار الطويلة التي تصدّر فيها رأيه تحت قبّة اللقاءات العلنية لمؤتمرات الأمم، إلى جانب الجلسات المغلقة التي كانت تجمعه بكبار الشخصيات العالمية وأصحاب القرار.
الكتاب عموماً، ليس وسيلة من وسائل الضغط، بل هو مفتاح للتأمّل ودعوة للمراجعة والوعي والنهضة الإنسانية في سبيل الإنسانية فعلاً، وصونها من مزيد من الإخفاق، وهو سعي جاد للحفاظ على الإنسانية التي تتقهقر رغم كل التحضّر المجتمعي المنشود.
(موقع اخبار سوريا الوطن الالكتروني-2)