الإثنين, 30 يونيو 2025 11:52 PM

عُمان تفاجئ الخليج بضريبة الدخل: نظرة على الأبعاد والتداعيات المحتملة

عُمان تفاجئ الخليج بضريبة الدخل: نظرة على الأبعاد والتداعيات المحتملة

في خطوة اقتصادية غير مسبوقة على مستوى الخليج، أعلنت سلطنة عُمان عن فرض ضريبة على الدخل للأفراد ذوي الدخول المرتفعة، لتكسر بذلك النمط الضريبي السائد في المنطقة، التي لطالما عُرفت بأنها ملاذ ضريبي جاذب للأفراد والمستثمرين.

من المقرر أن يبدأ تطبيق الضريبة الجديدة في عام 2028، بنسبة 5% على الدخل السنوي الذي يتجاوز 42 ألف ريال عُماني (ما يعادل حوالي 109 آلاف دولار أمريكي)، وتشمل هذه الضريبة المواطنين والمقيمين على حد سواء، مع إعفاء أكثر من 99% من السكان.

اقتصاد ما بعد النفط: على الرغم من امتلاك سلطنة عُمان لموارد نفطية، إلا أنها تعتبر من بين دول الخليج الأقل ثراءً من حيث حجم الإنتاج والإيرادات. ففي عام 2024، بلغت الإيرادات النفطية حوالي 7,45 مليارات ريال عُماني (19,3 مليار دولار)، مما يضعها تحت ضغط مستمر لتنويع مصادر الدخل.

أوضح الخبير الاقتصادي د. مدحت نافع لـ"النهار" أن هذا القرار جاء نتيجة لتراكم عوامل داخلية وخارجية، من أبرزها: "تقلبات أسعار النفط التي تفرض ضرورة تنويع مصادر الدخل، وارتفاع حجم الدين العام، والحاجة إلى الإنفاق على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى توصيات المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، التي تدعو إلى دفع الإصلاحات المالية وتعزيز الشفافية".

ويرى أن "الضريبة تعتبر استكمالاً لمنظومة ضريبية أوسع، سبق أن شملت ضريبة القيمة المضافة، والضريبة على الأرباح، والضرائب على السلع الانتقائية والمحلاة"، مضيفاً أن "ضريبة الدخل كانت بمثابة الحلقة المفقودة".

بين العدالة المالية والهواجس الاستثمارية: من الناحية النظرية، يرى المؤيدون للقرار العُماني أنه يعزز مفهوم العدالة الضريبية من خلال استهداف الفئات ذات الدخول المرتفعة فقط، دون التأثير على الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل. ويمكن لهذه الضريبة أن تساهم في:

  • تحسين تصنيف السلطنة في مؤشرات الشفافية والحوكمة.
  • بناء قاعدة بيانات دقيقة حول الدخل والمكلفين.
  • تحفيز الإنفاق الحكومي الموجه نحو الخدمات الاجتماعية.

في المقابل، تثير هذه الخطوة مجموعة من المخاوف والتحفظات، أبرزها احتمال هروب رؤوس الأموال إلى دول خليجية لا تفرض ضرائب على الدخل، وصعوبة السيطرة على التهرب الضريبي في ظل ضعف الرقابة المالية، وتراجع جاذبية السلطنة لاستقطاب الكفاءات الأجنبية مقارنة بالدول المجاورة.

وعلى الرغم من تأكيد الحكومة على أن النظام الإلكتروني سيسهل احتساب الدخل ويضمن الامتثال الضريبي، إلا أن الطوقي يعرب عن شكوكه في قدرة الضريبة على تحقيق "العدالة الحقيقية، ما لم تقترن بحوافز وامتيازات للمستثمرين والمشروعات الناشئة".

عوائد مالية محدودة… وأثر بنيوي أوسع: وفقاً للتقديرات، من المتوقع أن تدر هذه الضريبة حوالي 88 مليون ريال عُماني سنوياً (230 مليون دولار)، وهو مبلغ يعتبر ضئيلاً مقارنة بحجم موازنة الدولة لعام 2024، والتي بلغت حوالي 11,65 مليار ريال (30,26 مليار دولار).

لكن نافع يرى أن أهمية الضريبة لا تقتصر على حجم العائد المالي فقط، "بل في قدرتها على تعزيز الرقابة المالية، وتحسين أدوات صنع السياسات الاقتصادية، وإعادة توزيع المسؤوليات المالية بشكل أكثر توازناً".

هل تحذو دول الخليج حذو عُمان؟ يبقى السؤال الأهم في الأوساط الاقتصادية الخليجية: هل ستكون الضريبة العُمانية بداية لتحول جذري في السياسات الضريبية في المنطقة؟

يرى الخبير الاقتصادي أن عُمان قد تشكل نموذجاً تجريبياً مرناً لبقية دول الخليج، خاصة في ظل صغر عدد سكانها، ومحدودية مواردها، والانضباط النسبي في إنفاقها العام. بينما يستبعد أن تسير دول مثل السعودية أو الإمارات أو قطر في هذا الاتجاه في المستقبل القريب، نظراً لما توفره من بيئة ضريبية جاذبة للمستثمرين والوافدين، والتي تعتبر إحدى أدواتها الاستراتيجية في المنافسة الإقليمية.

ما بين الإصلاح والاستثمار: تعتبر خطوة سلطنة عُمان بفرض ضريبة على الدخل تجربة فريدة في سياق خليجي يفضل تقليدياً الاعتماد على العائدات النفطية والضرائب غير المباشرة. وفي حين تبرز الحاجة إلى إصلاحات مالية حقيقية وتوسيع القاعدة الضريبية، تبقى التحديات قائمة، خاصة في ظل المخاوف المرتبطة بالاستثمار وجاذبية السوق العُماني.

سيتوقف نجاح هذه التجربة على قدرة الحكومة على ربط الضريبة بخدمات ملموسة يشعر بها المواطن، وتقليل تكلفة الامتثال والرقابة، وتعزيز الشفافية والثقة في النظام المالي.

في المحصلة، فإن عُمان تخطو خطوة جريئة نحو إعادة تشكيل سياستها المالية، وقد تفتح الباب أمام نقاشات خليجية أوسع حول مستقبل العدالة الضريبية والاستدامة الاقتصادية ما بعد النفط.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: