تعيش أكثر من عشرة قرى في ريف الرقة الشمالي معاناة يومية بسبب غياب شبكات مياه الشرب، ما يدفع سكانها للاعتماد على الصهاريج لجلب المياه من قنوات الري الواقعة على بعد يزيد عن 10 كيلومترات. ومع ارتفاع أسعار المحروقات وافتقار المنطقة للبنية التحتية من طرق معبدة، يتحول هذا الحل المؤقت إلى عبء ثقيل لا يمكن تحمله، خاصة مع دخول فصل الصيف.
تشمل القرى المتضررة كلًا من الشويمي، البلص، المرندية، الثلجي، الكردوش، وعدد من القرى المجاورة، وجميعها تبعد قرابة 50 كم عن مدينة الرقة. سكان هذه القرى يفتقرون لأي مصادر آمنة ونظيفة لمياه الشرب، ويضطرون لاستخدام صهاريج تجرّها الجرارات الزراعية أو تُحمَل على شاحنات، لجلب المياه من قنوات غير مخصصة للاستهلاك البشري.
معاناة مستمرة ووسائل بدائية لتأمين المياه
يؤكد سكان القرى أنهم لجأوا إلى حفر آبار ارتوازية، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال، إذ أن غالبية المياه المستخرجة من هذه الآبار مالحة وغير صالحة للاستهلاك البشري، وتُستخدم فقط في الري والأغراض المنزلية الثانوية.
عبود الثلجي، أحد سكان قرية الثلجي، أوضح في تصريح خاص لـ”سوريا 24″ أنه يضطر إلى جلب مياه الشرب مرتين أسبوعياً من قناة الري باستخدام صهريج قديم يجره جرار زراعي، وقال: “كل الآبار التي حفرناها لم تكن صالحة للشرب، ولذلك نعتمد على مياه القناة رغم بعدها”. وأضاف أن شبكة مياه الشرب الرئيسية تمر بالقرب من القرية، لكن مطالباتهم بتمديد خط فرعي قوبلت بالرفض المتكرر من قبل مديرية المياه في الرقة، رغم استعداد الأهالي لتحمل تكاليف المشروع على نفقتهم الخاصة.
أما عبد العزيز الحسين، من قرية الكردوش، فوصف الوضع بأنه “كابوس حقيقي”، خاصة بالنسبة لمن لا يملك وسيلة نقل خاصة. وقال: “ليست لدي سيارة أو جرار، وأحياناً يساعدني الجيران بملء خزان المياه، وفي أوقات أخرى أضطر لنقل المياه بنفسي عبر دراجتي النارية باستخدام الكالونات، والتي لا تكفي سوى للشرب وطهي الطعام”. وأشار الحسين إلى أن أزمة المياه تفاقمت مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، ما زاد من حاجة السكان للمياه، في وقت لا توجد فيه أي مشاريع تنموية لتحسين البنية التحتية أو تلبية هذا الاحتياج الأساسي.
مجلس الرقة المدني يبرر التأخر ويعد بخطط مستقبلية
من جانبها، أوضحت مديرية المياه التابعة لمجلس الرقة المدني أن السبب وراء عدم شمول هذه القرى بشبكات مياه الشرب يعود إلى قدم الدراسات التي وُضعت قبل نحو عشرين عامًا، حيث لم تكن هذه القرى آنذاك ضمن المناطق ذات الكثافة السكانية أو التوسع العمراني الكبير. وأشار مصدر مسؤول في المديرية في حديث لمنصة سوريا 24 إلى أن الشبكات الحالية بالكاد تغطي القرى المدرجة سابقًا، وهي غير قادرة على استيعاب أي توسعات إضافية في الوقت الراهن.
وبحسب المصدر، فإن المديرية أعدت مؤخرًا دراسة جديدة لتوسعة الخطوط الرئيسية في المنطقة بحيث تشمل جميع القرى المحرومة من المياه، مؤكدًا أن تنفيذ هذا المشروع مرهون بتأمين الميزانية اللازمة من الجهات المعنية في مجلس الرقة المدني أو عبر دعم منظمات ومؤسسات مانحة.
في ظل هذا الواقع الصعب، يواصل سكان هذه القرى كفاحهم اليومي لتأمين احتياجاتهم من المياه، وسط مطالبات متكررة لمجلس الرقة المدني بسرعة التحرك لإنهاء هذه الأزمة. ويأمل الأهالي أن تجد الوعود طريقها إلى التنفيذ في أقرب وقت، لضمان حقهم في الحصول على مياه شرب آمنة ونظيفة، أسوة بباقي القرى والمناطق المجاورة.