عنب بلدي – أمير حقوق
أثار ادعاء فصيل يطلق على نفسه اسم "سرايا أنصار السنة" مسؤوليته عن تفجير كنيسة "مار إلياس" في منطقة الدويلعة بدمشق، خلافًا لاتهام الحكومة السورية لتنظيم "الدولة الإسلامية"، تساؤلات حول حقيقة وجود هذا الفصيل ودوره في العمليات الأمنية.
أسفر التفجير الانتحاري الذي استهدف الكنيسة في 22 من حزيران عن مقتل 25 شخصًا وإصابة 63 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة السورية.
بعد يومين، أعلنت وزارة الداخلية إلقاء القبض على منفذي التفجير، مشيرة إلى أنهم يتبعون لخلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، استنادًا إلى التحقيقات الأولية. وذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أن متزعم الخلية، المدعو محمد عبد الإله الجميلي، والملقب بـ"أبو عماد الجميلي"، هو سوري الجنسية. وأضاف أن كشف الخلية تم عبر تحليل معلومات المصادر الميدانية والأدلة التقنية، ما أدى إلى القبض على الانتحاري الآخر ومتزعم الخلية، الذي اعترف بدوره على أربعة أوكار تمت مداهمتها، وأسفرت عن القبض على عناصر آخرين وإحباط تفجير دراجة نارية كانت معدة لاستهداف تجمعات مدنية في العاصمة.
شكوك حول "أنصار السنة"
في 24 من حزيران، ادعى فصيل "سرايا أنصار السنة" تنفيذه التفجير، نافيًا ما أعلنته وزارة الداخلية السورية، ومبررًا ذلك بـ"استفزاز أبناء الطائفة المسيحية، وحق الدعوة وأهل الملة". وفي بيان نشره عبر حسابه في "تلجرام"، قال الفصيل إن منفذ التفجير يدعى محمد زين العابدين (أبو عثمان)، وتوعد باستمرار عملياته.
تباينت تحليلات الأوساط السياسية والعسكرية للبيان، بين من نفى وجود الفصيل، وبين من اعتبره بيانًا صحيحًا لفصيل له وجود وتأثير في سوريا.
الباحث المتخصص في الفكر الإسلامي، عباس شريفة، أوضح أن فصيل "أنصار السنة" ليس له وجود حقيقي، وأن ظهوره في سياق تفجير كنيسة "مار إلياس" يهدف إلى إخفاء الفاعل الحقيقي وإظهار فاعل وهمي، فيما يعرف بتعزيز "رجل القش"، حيث تتم مهاجمة شخصية وهمية بدلًا من الفاعل الحقيقي. ويرى شريفة أن تحديد المستفيد السياسي من الحدث هو أمر أساسي.
وأضاف أن تأكيد وجود الفصيل يحتاج إلى بحث، وأنه لا توجد مؤشرات قوية تؤكد أو تنفي ذلك، مشيرًا إلى أن بعض المحللين يؤيدون وجوده، بينما ينفيه آخرون، وأن البيانات الصادرة عن الفصيل كتابية وغير مصورة، ولا يوجد أرشيف له، خاصة في ظل رواية الدولة السورية التي تتهم تنظيم "الدولة" بالتفجير، ووجود اعترافات من المقبوض عليهم. وشدد على أهمية إرجاع القرائن الملموسة والأدلة المادية على الأدلة الافتراضية، مرجحًا أن نفي وجود الفصيل يهدف إلى نفي علاقته بتنظيم "الدولة"، وأن التنظيم هو من قام بالتفجير عبر خلاياه النائمة.
بيان دعائي
الباحث في الأمن الإقليمي والإرهاب، أحمد سلطان، يرى أن بيان "سرايا أنصار السنة" هو بيان دعائي، وأن الفصيل ليس إلا مفرزة من تنظيم "الدولة الإسلامية". وأوضح أن اللامركزية التي اضطر التنظيم للعمل بها نتيجة الضربات التي تلقاها ومقتل العديد من قادته، أدت إلى ظهور خلايا تعمل بشكل لامركزي، وكل منها لديها استراتيجية خاصة، مع بقائها متصلة بالإطار العام لتنظيم "الدولة".
وأشار إلى أن هوية فصيل "سرايا أنصار السنة" تابعة لتنظيم "الدولة"، وأنه ظهر في سوريا عقب سقوط النظام السابق، وبرز في أحداث الساحل السوري، ويتكون من مجموعة صغيرة جدًا، وأن عناصره انتشروا في بعض المحافظات السورية مستفيدين من الفوضى، وأنه لا يوجد قيادي بارز في الفصيل، وأن الأسماء التي تظهر مثل "أبو الفتح الشامي" هي أسماء حركية.
بيانات ركيكة وأخرى غير منضبطة
يلاحظ على بيانات الفصيل عدم التنسيق في الشكل والصياغة والإملاء، ما يثير انتقاد الباحثين في الحركات الإسلامية. وأوضح عباس شريفة أن الأدبيات السلفية الجهادية تتضمن كلمات مفتاحية تستخدم في قضايا محاربة الطاغوت وتحريم الشريعة ومحاربة المرتدين، وأن بيانات "سرايا أنصار السنة" لا تصاغ من عقل ينتمي للسلفية الجهادية، وإنما هي محاولة للاستثمار بهذه السلفية، ما يفسر البيانات الركيكة والصياغات المتخبطة.
ربط أحمد سلطان البيانات الركيكة والتخبطات في تنسيق البيانات بحداثة سن أعضاء الفصيل وعدم امتلاكهم خبرة شرعية أو تنظيمية كبيرة.
استغلال الفجوات الأمنية
يثير غموض خلفية الفصيل وأهدافه غير المعلنة تساؤلات المهتمين. ويرى أحمد سلطان أن الفصيل اختار العمل بطريقة تنظيم "الدولة" عبر استهداف الأهداف الرخوة والطوائف السورية لإشعال حرب تكون مقدمة لعودة التنظيم وتمدده في سوريا. ويضيف أن خطر الفصيل ما زال منخفضًا، ولكنه قد يتطور إذا زادت قدراته وعناصره، وأنه يعتمد على تكتيكات تنظيم "الدولة".
يعتقد عباس شريفة أن تبني الفصيل للأحداث في صحنايا والسويداء وتهديدات أبناء الطائفة العلوية والمسيحية يهدف إلى خلق تحالف بين الأقليات ضد السلطة، وإظهار عدو يستهدفهم لإثبات أن جميع الطوائف مستهدفة، وبالتالي تكاتفهم ضد الدولة السورية بذريعة المظلومية. ويشير إلى وجود استهداف حقيقي للأقليات.
شهد الساحل السوري، حيث يتركز وجود الطائفة العلوية، أحداثًا دامية في آذار الماضي، بينما دارت اشتباكات في مناطق يغلب عليها وجود الطائفة الدرزية، مثل جرمانا وصحنايا في محيط دمشق، والسويداء في الجنوب السوري، في أيار الماضي.