الجمعة, 13 يونيو 2025 12:15 AM

فضيحة فساد الفوسفات: كيف تبخرت 150 مليون دولار من ثروات سوريا بتواطؤ شبكات دولية؟

فضيحة فساد الفوسفات: كيف تبخرت 150 مليون دولار من ثروات سوريا بتواطؤ شبكات دولية؟

كشفت مصادر مطلعة وملفات حصلت عليها #زمان_الوصل عن واحدة من أضخم قضايا الفساد الممنهج التي شهدتها سوريا خلال الأعوام 2019-2023، حيث تم إهدار ما يزيد عن 150 مليون دولار أمريكي من ثروة البلاد في قطاع الفوسفات وحده.

وتكشف تفاصيل القضية عن شبكة معقدة أدارتها شخصيات نافذة في "النظام البائد"، بالتعاون مع شركات إيرانية وروسية ولبنانية، مستغلة عقود إذعان وعمليات سرقة مباشرة تحت غطاء رسمي من المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية.

سرقة مليون طن من الفوسفات بغطاء رسمي

تفيد الوثائق بأن الفساد الأكبر تمثل في الفقدان المتعمد لكميات ضخمة من الفوسفات الخام من البلوكات المستثمرة من قبل شركات إيرانية وروسية. وتقدر الكمية المفقودة بحوالي مليون ومئة ألف طن، تم استخراجها بطريقة غير شرعية بين عامي 2019 و 2023.

ووفقاً للمصادر، فإن هذه السرقة تمت بعلم وإشراف مباشر من إدارة المؤسسة العامة للجيولوجيا آنذاك، والتي تعمدت عدم إجراء عمليات رصد طوبوغرافي دقيقة للمواقع قبل تسليمها للشركات الأجنبية، مما سمح بسرقة هذه الكميات الهائلة دون أي رقابة أو توثيق رسمي، وهو ما شكل خسارة مباشرة للخزينة السورية.

عقود الإذعان: تفريط بالسيادة الاقتصادية

لم يقتصر النهب على السرقة المباشرة، بل امتد إلى توقيع عقود استثمار مجحفة أضاعت حقوق الدولة السورية بشكل شبه كامل. وتبرز في هذا السياق ثلاثة عقود رئيسية:

  • العقد الإيراني (شركة كيميكا): قام المدير العام للمؤسسة آنذاك، المدعو سمير الأسد، بصياغة عقد استثمار لصالح شركة "كيميكا" الإيرانية. وبموجب هذا العقد، حُرمت سوريا من 85% من القيمة الفعلية للفوسفات المستخرج، وتم تسليم مجمع الفوسفات بالكامل للجانب الإيراني، فيما وصفه مراقبون بأنه "تقديم لثروات الشعب السوري على طبق من ذهب".
  • العقد الروسي (شركة STG): في صفقة أخرى لا تقل إجحافاً، تم منح شركة "STG" الروسية نسبة 50% من إنتاج الفوسفات تحت غطاء "عقد حماية"، مما رسخ منطق تقاسم الثروات الوطنية مقابل الدعم السياسي والعسكري.
  • العقد اللبناني (نرمز لها ب X لأنها قيد التحقيق حاليا): يعتبر هذا العقد الأخطر على الإطلاق. تم توقيع عقد تأهيل وصيانة معامل الفوسفات مع شركة "X"، حمل العقد في طياته بنوداً كارثية، منها:
    • أعمال صيانة وهمية: تضمين بنود صيانة لم يتم تنفيذها فعلياً ولكن تم تقاضي مقابلها.
    • تثبيت سعر الصرف: تم تثبيت سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية لصالح الشركة اللبنانية عند 439 ليرة سورية لمدة ثلاث سنوات، في وقت كان سعر الصرف في السوق السوداء ينهار بشكل متسارع.
    • الدفع بالفوسفات: كانت الشركة تتقاضى مستحقاتها كميات من الفوسفات الخام. ومع تثبيت سعر الصرف الوهمي، حصلت الشركة على كميات هائلة من الفوسفات مقابل مبالغ زهيدة، محققة أرباحاً غير مشروعة تقدر بنحو 58 مليون دولار.

كل ما تقدم كتب بمحاضر رسمية تفتيشية بعد وقوع الكارثة...

شبكة المصالح والغطاء الأمني

تظهر التحقيقات أن مدير المؤسسة العامة للجيولوجيا، سمير الأسد، الذي صدر بحقه حكم بالسجن لمدة عشر سنوات، كان يمتلك نسبة 19% من أسهم شركة "X" اللبنانية، مما يكشف تضارب المصالح الفاضح. وللمزيد من التضليل، تبين أن الشركة مسجلة رسمياً في ريف دمشق، بينما كانت تذكر في العقود على أنها شركة لبنانية.

كما تحولت المؤسسة في تلك الفترة إلى ذراع تمويل مباشر للفرقة الرابعة وشعبة الأمن العسكري، اللتين كانتا تحصلان على مقالع وتراخيص خاصة خارج أي إطار قانوني، بإشراف مباشر من ماهر الأسد الذي فرض سيطرته الكاملة على قطاع الثروات الباطنية لصالح شبكة من التجار المرتبطين به.

اكتشاف القضية ومحاولات التغطية

انكشفت خيوط القضية في نهاية عام 2023، بعد شكوى تقدمت بها شركة إيطالية لاحظت أن الفوسفات السوري يباع في الأسواق العالمية بسعر يقل بنحو 10 دولارات للطن عن سعره الحقيقي، وهي الكميات التي كانت تمثل المسروقات. وعلى إثر الشكوى، تم توقيف عدد من المتورطين، بمن فيهم المدير العام. ولكن، سرعان ما تدخل شركاؤه النافذون، وتحديداً اللواء كمال الحسن واللواء كفاح ملحم، "للفلفة الموضوع" والتغطية على حجم الجريمة.

الفساد يعيد إنتاج نفسه بعد "التحرير"

مع التطورات الأخيرة و"تحرير البلاد"، تمكن سمير الأسد من الهروب من السجن ليعود مباشرة إلى ممارسة نشاطه. وتشير المعلومات إلى أن شبكة الفساد نفسها عادت للعمل بنفس الامتيازات السابقة، حيث استأنفت الشركة اللبنانية نشاطها وعاد نفس متعهدي النقل، بإشراف كامل من سمير الأسد الذي يدير هذه الامتيازات مستغلاً إخفاء ملفات التحقيق والتفتيش التي كانت تدينه.

ورغم وجود نسخ من هذه الملفات لدى الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ووزارة الطاقة، لم يتم حتى اليوم تحصيل الأموال المنهوبة.

وفيما تنشغل وزارة الطاقة الحالية بالترويج الإعلامي للاهتمام بقطاع الفوسفات، يبقى السؤال الأهم معلقاً: متى ستتم محاسبة الفاسدين واسترداد ثروة الشعب السوري المنهوبة؟

فارس الرفاعي - زمان الوصل

مشاركة المقال: