الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 06:49 AM

فلسفة القيادة: بين الثقة بالقريب وتحقيق العدل

فلسفة القيادة: بين الثقة بالقريب وتحقيق العدل

نضال رشيد بكور: "إذا تولّى العدلُ أمرَ الناس ، خَفَتَ صوتُ النَّسَب ، وارتفع صوتُ الحقّ." هذه الحكمة العربية القديمة تضيء لنا طريق التأمل في فلسفة القيادة.

في لحظة نبوية، طلب موسى عليه السلام من الله أن يشدد أزره بأخيه هارون، وأن يشركه في أمره. لم يكن هذا الطلب مبنياً على القرابة فحسب، بل على الكفاءة والثقة. هذه اللحظة تتكرر في حياة القادة الذين يواجهون صراعاً بين العاطفة وواجب القيادة.

القائد، وهو يتحمل المسؤولية، محاط بالوجوه المألوفة. يحتاج إلى من يفهمه ويعينه بصدق. الاعتماد على القريب ليس عيباً، بل هو امتداد للثقة، لكن الخطر يكمن في تحول الثقة إلى ذريعة للمصلحة.

الولاء والوليمة قريبان، لكنهما ينفصلان عندما تختلط النوايا بالمصالح الشخصية. من الظلم إقصاء القريب لمجرد قرابته، ومن الظلم منحه منصباً لا يستحقه. القرابة امتحان لضمير القائد وعدله.

القريب في موقع المسؤولية هو مرآة القائد. صلاحه يعكس عدل القائد، وفساده يفقد القائد شرعيته. القرب من السلطة لا يقاس بالمسافة من القلب، بل بالمسافة من المصلحة. كلما اقترب القريب من المال والوساطة، ابتعد عن الأمانة.

الفساد يبدأ بتفاصيل صغيرة: تسهيل، صفقة وساطة، أو وعد في الخفاء. هذه التفاصيل تتحول إلى شقوق في جدار العدالة. لذلك، يجب على القائد قطع هذه الخيوط، حتى لو كانت من أقرب الناس إليه.

عندما يكتشف القائد أن أخاه قد خلط بين التكليف والتجارة، يجب عليه إقصاؤه ليس انتقاماً، بل تطهيراً للمبدأ. القائد العادل يحكم بالضمير، لا بالدم. تطبيق العدل على القريب قبل البعيد هو قمة النزاهة.

هذا القرار ليس فصلاً بين أخوين، بل بين الحق والهوى. من يقصيه اليوم حفاظاً على المبدأ، يكسب له مكاناً في ذاكرة العدالة. الأخوة التي تصمد بعد العدل أصدق من أي أخوة أخرى.

القيادة الحقة ليست الإحسان إلى الأحبة، بل الإحسان إلى الوطن بهم أو بدونهم. القائد الرحيم يحمي المبدأ، والحاكم العادل يقسو على الفساد، حتى لو كان من الأقرباء. لقد كان موسى بحاجة إلى هارون، ولكن لو خان هارون الأمانة، لما تردد موسى في إقصائه.

الدم يجمعنا لحظة، لكن العدالة تجمعنا تاريخاً. القيادة التي تبني قراراتها على النسب تموت بزوال الأشخاص، أما التي تبنيها على المبدأ فتبقى حية. عندما يقدم القائد العدل على القرابة، يولد نوع نادر من القيادة: قيادة تربي الأخلاق قبل أن تدير السلطة.

ليس في اعتماد القائد على قريبه ما يدان، ما دام القريب أهلاً للثقة والنزاهة. لكن الفضيلة الحقيقية تظهر عندما يضع القائد المبدأ فوق العاطفة، والأمانة فوق الأخوة، والوطن فوق الجميع. في تلك اللحظة، يكتب التاريخ: هنا كان قائد أحب أخاه، لكنه أحب الحق أكثر. (أخبار سوريا الوطن2-الكاتب)

مشاركة المقال: