الخميس, 19 يونيو 2025 09:34 AM

في متاهة الأفكار: رحلة في عقل امرأة سورية تتساءل عن الوجود والوطن

د. ريم حرفوش تتساءل: بمَ تفكرين؟ سؤال يلاحقنا ليل نهار. هل ما زلنا نملك رفاهية التفكير، والتأمل تحت السماء، والحديث عن أمانينا؟ وسط هذا الشتات العاطفي والفوضى الحسية العارمة؟

أجل، فوضى عشرة حواس! لا تتعجب، فعندما أصابني الفصام، انشطرت حواسي، كل منها إلى اثنتين: بين الوهم واليقين، بين أحلام اليقظة والموت السريري. لكن لا داعي للأسف، فأنا أمارس حماقاتي بسعادة، أبتسم وأضحك أكثر، أحزن وأبكي وأصرخ بلا قيود. أرى بقلبي وعقلي وببصري وبصيرتي كذبًا يحيط بي.

أهرب إليك، ملاذًا آمنًا، أو هكذا كنت أظن. أعانقك، أغمرك، أتنفسك بلا توقف. ينابيع القلب تسقي لديك كل الورود، وهمسات العطر تتغلغل حتى أطراف قدميك، لتغرقك في بحر دموعي. يسيل النبيذ في لقاء الشفتين، وفي سُكري وفصامي، أفقد ذاتي. هل يعقل أن أبحث عني ولا أجدني؟

أفكر أن أضع لي عنوانًا ثابتًا: Syria….@….com لمن يجدني، أرجو إعادتي إلى هذا العنوان. ربما عندما نلتقي بأنفسنا، نعرف أن هذا نحن، ونفرح بلقاء ما تبقى منا على قيد الجنون.

بم تفكرين؟ أفكر أين أضعت عقلي، وكيف منحوني شهادة جنون. أفكر أيّ من أفكاري الغبية سأتقمص كل صباح، كيف أكبح جماح طموحي وأمنياتي، كيف أصمت وأهز رأسي بلا مبالاة، كيف يكون في داخلي بركان ويتهمونني ببرودة الأعصاب، كيف أعود خطوة للوراء بينما تسابق الريح قدماي، كيف أتقن فن الغباء وأنا يقتلني تفكيري كل يوم آلاف المرات، كيف لا أقول أحبك وأنا غارقة فيك حتى الممات.

كيف أترك حقائبي، شهاداتي، ذاكرتي، ذكرياتي، وأقطع تذكرة سفر لأغادر، وحواسي العشر بكل حماقاتها وجنونها تعشق البقاء في هذا الوطن؟

بم تفكرين؟ لا شيء. أخبروني اليوم أنني لا أملك حرية التفكير ولا الكلام.

(اخبار سوريا الوطن ٢-صفحة د.ريم)

مشاركة المقال: