تتزايد أعداد الصفحات المتخصصة على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ، حتى أن الأدوات المستعملة والخردوات باتت لها صفحاتها الخاصة. هذا التوسع يشبه متاهة عنكبوتية يعلق فيها المستخدمون، مما يجعل هويات الأفراد والمدن والأماكن تبدو ضائعة ومشوهة في فضاء افتراضي لا حدود له.
المفارقة تكمن في أن الأفراد يحاولون الهروب من هذا الواقع الافتراضي من خلال الانخراط فيه بشكل أكبر، بإنشاء صفحات مماثلة تعبر عن وجودهم الرقمي. هذا الوجود يتحول إلى مجرد خانة ضمن سلسلة من الأرقام والرموز الرقمية.
صحيح أن قيمة أي أداة تعتمد على كيفية استخدامها والهدف منها. فمثلًا، السكين يمكن أن تكون أداة فتاكة في يد مجرم، بينما تكون أداة نافعة في يد فنان أو طبيب. وبالمثل، يمكن أن تستخدم هذه المدونات للتخريب والتحريض من قبل مجهولين، أو لاصطياد الشباب والمراهقين، مما يهدد الهوية الوطنية والثقافية.
لكن في المقابل، هناك صفحات قيمة تسعى لتوثيق جوانب من الحياة الاجتماعية في البيئات السورية المتنوعة، أو تفاصيل حياة الناس في الأسواق والحارات. مثال على ذلك، الصفحات التي تلتقط اللغة المحكية ونداءات البائعين في دمشق، مثل النص الذي يقول: "اسمعوا لغة البيّاعين/بالشّام وهنّي دايرين/ لغة بدها ترجمان/ونحنا عنّا مترجمين/ لغة بدها ترجمان/خصوصي باسم البيتنجان/ نادوا أسود يا ريّان/وقعة سودا وقعانين/ هاتوا طبل وزامورة لنسمِّع ياللي نايمين/ لنسمّع ياللي نايمين بعْل ومَلَكي آه يا تين/ الصبايا داير مندار/المشمش طيب قمرالدِّين/قمرالدِّين العال العال/ والنابت عند الفوّال والضمّانة بيّاعين/باعوه بـِ أوّل نيروز/ ولا حبّة منيحة يا جوز/ يا خسارة ما عنّا موز/ ولَوْ كان عنّا؛ غالي كتير!".
حياة موازية!
هذه المنمنمات الشعرية باللهجة المحكية تجعل من تلك الصفحات وثائق نادرة يمكن لملايين الأشخاص متابعتها والعيش مع أولئك الأشخاص في قلب المدونة، ما يسمى حياة موازية تغنيهم عما يفتقدونه في غربتهم أو تعطي لمن لا يعلم فكرة محفزة عن بلد ما أو تجعل أهل البلد المعني يقولون بنرجسية محببة: ها هي ذي بلدنا فادخلوها آمنين.
تجدر الإشارة إلى الخصوصية التي تتمتع بها صفحة "Humans of Damascus"، حيث تقول مؤسستها "رانيا قَطَف" إن من أهدافها تسليط الضوء على التراث الثقافي والإنساني للدمشقيين وإنجازاتهم من عمارة وعلوم وفنون المطبخ الشامي، من قصص وأمثال شعبية وعادات وتقاليد، ماضياً وحاضراً.
وهناك صفحة "أنتيكا سوريا" التي تعرض صوراً نادرة لشخصيات فنية سورية، أو لمناطق ومعالم مشهورة من مدن سورية مثل نواعير حماة، أو عادات اجتماعية محببة مثل "السيرانات" في غوطة دمشق.
مهرجان إلكتروني للعاديّات!
اللافت في هذه الصفحات هو التقاطها عبر فيديوهاتها وصورها النادرة القديمة/التاريخية المرسومة بعدسة رسامين ومصورين كبار عايشوا وشهدوا الأيام الخوالي من تفاصيل وذكريات وشخصيات دمشقية فريدة أو عبر تلك المشاهدات الحديثة بعدسات شباب وصبايا انضموا لها وأغنوها بما لديهم من معاصرة ومعايشة يومية. يمكن الاستفادة منها فيما بعد لتشكيل "مهرجان الكتروني للعاديات"، وإعادة طباعتها كبوسترات تشكل "مهرجان الوثائقيات السورية"، ونقلها من الحيز الافتراضي إلى الواقع لتثبيت أهميتها وهويّة المكان، وتنبيه الناس إلى إمكانية دخول عالم النت اللانهائي حقيقة ومجازاً.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية