قيود البنوك السورية تدفع المستثمرين نحو السوق السوداء
في وقتٍ تتعالى فيه أصوات الحكومة السورية بدعوة المغتربين للاستثمار والمساهمة في إعادة الإعمار، تواجه هذه الدعوات عقبة لا يمكن تجاهلها: قيود مصرفية خانقة تجعل من تحويل الأموال إلى داخل البلاد مخاطرة غير محسوبة، وتجعل من صاحب المال رهينة في يد نظام مصرفي عاجز، أو متواطئ.
رسالة مؤثرة وردت إلى "اقتصاد" من مغترب سوري أمضى 35 عاماً في الغربة، تحدث فيها عن صدمته بعد اكتشاف أن البنوك السورية لا تسمح بسحب أكثر من 100 دولار أسبوعياً، حتى إن كان الحساب الشخصي يتضمن مبالغ كبيرة جرى تحويلها بشكل قانوني. يتساءل هذا المواطن بمرارة: "هل يعقل أن يُعامل من يريد أن يستثمر في بلده بهذه الطريقة؟! هل من المنطق أن تُقنَّن حقوق المودع إلى هذا الحدّ، وكأن الحكومة تقول له: لا خيار لك سوى السوق السوداء؟".
بحسب متابعين، تعاني البنوك السورية من شلل شبه كامل، ليس فقط بسبب العقوبات، بل بسبب قرارات مصرف سوريا المركزي، الذي يفرض قيوداً صارمة على السحب والتحويل، ضمن سياسة نقدية وصفها اقتصاديون بأنها تشجع على تهريب الأموال بدل جذبها.
في المقابل، تنتعش السوق السوداء وشبكات التحويل غير الرسمية، التي باتت الخيار الوحيد أمام من يريد إرسال المال أو استثماره داخل البلاد. والمفارقة أن هذه الشبكات تعمل بمعرفة، وربما بمباركة، جهات نافذة في السلطة، وتحقق أرباحاً خيالية من فرق الأسعار والعمولات.
يرى خبراء الاقتصاد أن القيود المفروضة على المودعين، وخاصة المغتربين، لا تخدم بأي شكل جهود التعافي الاقتصادي، بل تعزز الاقتصاد الموازي وتفتح الباب أمام الفساد. ما يجري ليس له علاقة بحماية الليرة أو ضبط السوق، بل هو جزء من بنية فاسدة تستفيد من تهريب الأموال ومنع تدفقها عبر القنوات الرسمية.
رسالة المغترب السوري لا تقف عند حدود الشكوى، بل تحمل نداءً صريحاً إلى من تبقى من عقلاء القرار: "إذا كنتم فعلاً حريصين على البلد واقتصاده، أوقفوا هذه المهزلة. أفرجوا عن أموال الناس، دعوا من يريد أن يستثمر يشعر بالأمان لا بالخذلان".
في النهاية، ما زال الأمل قائماً بأن يُسمع هذا الصوت، وأن تتحول دعوات العودة إلى بيئة حقيقية يمكن أن تُبنى عليها المشاريع، لا مجرد شعارات جوفاء تنهار أمام شباك بنك لا يسمح لك بسحب أكثر من 100 دولار من عرق غربتك.