علي بردى: في الوقت الذي تقوم فيه أجهزة الاستخبارات الأميركية بتقييم الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالبرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين، أكدت إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الولايات المتحدة لم تشارك ولم تدعم العملية الإسرائيلية التي استهدفت قادة عسكريين كبارًا وعلماء نوويين ومواقع عسكرية في أنحاء مختلفة من إيران.
اكتفى ترامب بتوجيه تحذير شديد اللهجة للمسؤولين الإيرانيين من مغبة الاستمرار في سياساتهم السابقة، متوقعًا أن تكون الهجمات الإسرائيلية اللاحقة "أكثر عنفًا". ومع ذلك، حاول ترامب، الذي ذكّر بمهلة الـ 60 يومًا التي منحها لإيران في 12 أبريل الماضي، والتي انتهت في 12 يونيو، للتوصل إلى "صفقة"، مع مسؤولين أمريكيين آخرين، إبعاد الولايات المتحدة عن العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل ضد إيران.
تعزى هذه الاستراتيجية إلى عاملين مهمين: أولاً، أن جزءًا رئيسيًا من القاعدة الشعبوية لترامب تصوره "صانع سلام" يسعى إلى إنهاء "الحروب والنزاعات الأبدية" في العالم، ولا يمكنه فعل ذلك بالانخراط في حرب مع إيران أو أي دولة أخرى، إلا إذا اضطر إلى ذلك، بما في ذلك مساعدة إسرائيل إذا تعرضت لخطر وجودي. ثانيًا، أنه يريد التوصل إلى "صفقة دبلوماسية" مع إيران للتخلص من برنامجيها النووي والصاروخي، ودورها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط والعالم.

يعود تجنب إدارة ترامب الدخول في المواجهة إلى مخاوف حقيقية لدى العديد من المسؤولين من احتمال إغراق الشرق الأوسط في جولة جديدة من العنف، وتبديد آمال ترامب في التوصل إلى اتفاق تفاوضي لوقف تطوير البرنامج النووي الإيراني، حتى بعد تدمير أجزاء رئيسية من مكوناته، وقتل العديد من العلماء النوويين الإيرانيين الذين يمكن أن يعملوا على صنع قنبلة نووية.
كشف ترامب، خلال مقابلات عديدة عبر وسائل الإعلام الأميركية المختلفة، عن أنه كان على علم مسبق بخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعلان الحرب على إيران، والقيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق لتدمير برامجها النووية والصاروخية. وعندما سألته صحيفة "وول ستريت جورنال" عما إذا كان المسؤولون الإسرائيليون أخطروا نظراءهم الأميركيين بخطط الهجوم، أجاب عبر الهاتف: "إخطار؟ لم يكن إخطارًا، وإنما كنا نعلم ما يحدث"، واصفًا الهجوم الإسرائيلي بأنه "ناجح للغاية، وهذا وصف متواضع". وقال لشبكة "إيه بي سي" إن الهجمات "كانت ممتازة. وهناك المزيد في المستقبل. المزيد والمزيد". ولعله كان يلمح بذلك إلى ما سمعه من نتنياهو في محادثتهما الهاتفية، مساء الخميس.
رأى محللون أميركيون أن نتنياهو قرر تنفيذ الهجمات ضد إيران منذ انتخاب الرئيس ترامب، بعدما وجد في ذلك "نافذة لفرص". فرغم سعي ترامب إلى اتفاق دبلوماسي مع إيران في شأن طموحاتها النووية، بل وطلبه من نتنياهو تأجيل الضربة، بدا ترامب في بعض الأحيان أكثر استعدادًا من الرئيس بايدن لقبول فكرة الهجوم. وقال المحلل في "منتدى السياسة الإسرائيلية" البحثي في نيويورك، مايكل كوبلو: "دبلوماسيًا، منح انتخاب ترامب نتنياهو رئيسًا مستعدًا لدعم تهديد عسكري ذي صدقية". وأضاف أنه "لطالما كان تفضيل نتنياهو للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني من خلال العمل العسكري واضحًا وضوح الشمس لسنوات، واغتنم أخيرًا وجود فرصة مثالية".
على الرغم من الشكوك المحيطة بالجولة السادسة من المفاوضات النووية غير المباشرة التي كانت مقررة الأحد، في عُمان بين الوفد التفاوضي الإيراني بقيادة مبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، والفريق الإيراني بقيادة وزير الخارجية عباس عراقجي، حضّ ترامب على إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع إيران من أجل التوصل إلى اتفاق يكون بديلاً من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب عام 2018. وقال إن على إيران التوصل إلى صفقة "قبل أن ينهار كل شيء"، من دون أن يوضح ما إذا كان يعني احتمال مشاركة الولايات المتحدة في العمليات العسكرية ضد إيران.

وفقًا لمسؤولين أميركيين سابقين ومحللين، يرجح أن يُلحق الهجوم الإسرائيلي أضرارًا "محدودة" بالمواقع النووية الإيرانية، التي يقع بعضها في أعماق الأرض، دون دعم أميركي لاستخدام قنابل ذات قدرة اختراق عميقة وتزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود.
بذلك، كرر الرئيس ترامب الرسالة الأولية التي نقلها وزير الخارجية ماركو روبيو الذي أعلن منذ البداية أن الضربات الإسرائيلية "عمل أحادي الجانب"، مشددًا على أن الولايات المتحدة "غير منخرطة" في العمليات التي وصفتها إسرائيل بأنها "إجراء ضروري للدفاع عن نفسها". وبالتالي "يجب ألا تستهدف إيران المصالح أو الأفراد الأميركيين".
في حال ردت إيران، لم يتضح أيضًا ما إذا كانت الولايات المتحدة ستساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بما في ذلك عبر العمل على إسقاط أي مسيرات أو صواريخ إيرانية كما فعلت مرتين خلال عهد الرئيس السابق جو بايدن، العام الماضي. ونقلت صحيفة "الواشنطن بوست" عن مسؤول أميركي لم تسمه أن "الأمر متروك للرئيس" ترامب، في ظل تهديدات طهران المتكررة بالرد على أي هجوم بضربات مضادة تستهدف كلاً من إسرائيل والقوات والمنشآت التابعة للولايات المتحدة في كل أنحاء الشرق الأوسط.
هذا هو الخطر الذي دفع الولايات المتحدة إلى التحرك بسرعة خلال هذا الأسبوع لتقليص وجودها في المنطقة؛ إذ أذنت وزارة الخارجية بإجلاء بعض الأفراد من العراق وأعطت وزارة الدفاع "البنتاغون" الضوء الأخضر لمغادرة أفراد عائلات العسكريين في كل أنحاء المنطقة. وأنشأت وزارة الخارجية فرقة عمل جديدة معنية بالشرق الأوسط، مصمّمة لتكون فعّالة في حال حدوث إجلاء جماعي للأفراد الأميركيين من الشرق الأوسط. ويُشير ذلك إلى أن إدارة ترامب توقعت تصعيدًا كبيرًا في المنطقة قد يُهدد الأميركيين.
ومع ذلك، أفاد مسؤولون أميركيون بأن وكالات التجسس الأميركية لم تغير في الأسابيع الأخيرة تقييمها القديم بأن إيران، رغم عملها المتقدم في تخصيب اليورانيوم، لم تتحرك لتحويل هذا الجهد إلى جهاز نووي فعلي، في إشارة ثابتة إلى اختلافهم مع تقييمات كبار المسؤولين الإسرائيليين، الذين غالباً ما يتبنون وجهة نظر أكثر إثارة للقلق في شأن برنامج إيران النووي، بل استشهدوا أخيراً بمعلومات استخبارية عن برنامج إيراني سري "يمكن أن ينتج سلاحاً نووياً في غضون أشهر أو عام على الأكثر".

ولكن المسؤولين الإسرائيليين ونظراءهم في إدارة ترامب أكدوا توافقهم على أن السبيل الوحيد لضمان عدم امتلاك إيران لسلاح نووي هو تفكيك أو تدمير قدراتها على التخصيب.
كان ترامب يعقد آماله على تجنب الحرب من خلال التوصل إلى صفقة دبلوماسية مع إيران للحد من نشاطاتها النووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية القارصة التي تضغط على اقتصادها.
أثار احتمال وقوع مواجهة عسكرية جديدة في الشرق الأوسط قلق مؤيدي "فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً" («ماغا» اختصاراً) داخل الدائرة المقربة لترامب وخارجها، والذين اصطف الكثير منهم خلف الرئيس ترامب نظراً لرسالته المناهضة للحرب. وحذر مُقدم بودكاست «ماغا» عبر منصة «إكس» جاك بوسوبيك، من أن «توجيه ضربة مباشرة لإيران الآن سيؤدي إلى انقسام كارثي في تحالف ترمب»، مذكراً بأن «ترمب عارض بذكاء بدء حروب جديدة، وهذا ما صوتت عليه الولايات المتأرجحة – الانتخابات النصفية ليست بعيدة – وأكثرية الكونغرس ضئيلة للغاية. أميركا أولاً!».