الأحد, 23 نوفمبر 2025 03:25 PM

مأزق المفاوضات السورية الإسرائيلية: هل تراجعت فرص السلام أم مجرد تكتيك؟

مأزق المفاوضات السورية الإسرائيلية: هل تراجعت فرص السلام أم مجرد تكتيك؟

عنب بلدي – ركان الخضر – أعلنت إسرائيل عن وصول المفاوضات مع سوريا إلى طريق مسدود، وذلك بعد رفضها للمطالب السورية بالانسحاب من جميع المناطق التي احتلتها بعد 8 كانون الأول 2024. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية (كان) عن مصادر لم تسمها، في 17 تشرين الثاني الحالي، أن إسرائيل رفضت طلب الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بالانسحاب من جميع النقاط التي سيطر عليها الجيش الإسرائيلي في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وذكرت المصادر، بحسب الهيئة، أن "إسرائيل ستنسحب من بعض هذه النقاط فقط مقابل اتفاق سلام شامل مع سوريا، وليس مجرد اتفاق أمني، وهو أمر غير مرجح حاليًا". وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قد صرح بكلام مماثل في 16 تشرين الثاني، مؤكدًا أن القوات الإسرائيلية ستحافظ على وجودها في جبل الشيخ والمنطقة العازلة في مرتفعات الجولان. وأضاف عبر حسابه على "إكس"، "سيواصل جيش الدفاع الإسرائيلي سيطرته على قمة جبل حرمون والمنطقة العازلة بالجولان".

يستعرض هذا التقرير من عنب بلدي الرسائل المستنتجة من هذا التصريح، وتأثيره على مسار المفاوضات السورية الإسرائيلية، والخيارات المتاحة أمام الحكومة السورية للرد على الإعلان الإسرائيلي الأخير.

أوراق ضغط في المفاوضات

يرى المحلل السياسي السوري حسن النيفي أن الموقف الذي كشفت عنه هيئة البث الإسرائيلية، بشأن وصول المفاوضات السورية الإسرائيلية إلى طريق مسدود، يعكس حقيقة الموقف الإسرائيلي القائم على الابتزاز والمناورة واستغلال الوضع الراهن في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. وأوضح النيفي في حديث لعنب بلدي، أن إسرائيل تحاول التوغل في الأراضي السورية واحتلال مواقع جديدة داخل الجنوب السوري، بالتزامن مع عدوان مستمر على المرافق الحيوية والمواقع العسكرية، بحجة دواعي أمنية. إلا أن الواقع، بحسب النيفي، يؤكد أن التوغل الإسرائيلي يهدف إلى الحصول على أوراق قوة جديدة يمكن لإسرائيل استغلالها في أي مفاوضات مع سوريا.

ويضيف النيفي أن هذه الأوراق الجديدة تتمثل في السيطرة على الأرض وعدم الانسحاب منها إلا مقابل مكاسب أخرى. ويرى أن التصريحات الإسرائيلية التي تشترط الوصول إلى اتفاق سلام شامل مع سوريا، وليس مجرد اتفاق أمني، دليل واضح على هذه الأهداف. وأشار إلى أن إسرائيل قد تطالب بالاحتفاظ بالجولان مقابل اتفاقية السلام التي تتحدث عنها، مؤكدًا أن التصريح الإسرائيلي لم يقدم جديدًا، بل يعكس استراتيجية إسرائيلية قائمة على التوسع والابتزاز.

من جانبه، يرى الصحفي والباحث السياسي السوري فراس علاوي أن التصريح الإسرائيلي يمثل نوعًا من التصعيد في المفاوضات، ويعتبر تصعيدًا إعلاميًا وسياسيًا. ولا يعتقد علاوي، في حديث لعنب بلدي، أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، بل يرى أن إسرائيل أرادت من هذا التصعيد الضغط على الحكومة السورية وفرض شروط أخرى لتحقيق مكاسب أكبر، وهو أمر معهود عن الحكومة الإسرائيلية، وفقًا لرأيه. وأشار إلى صعوبة المفاوضات السورية الإسرائيلية، لكن هذا لا يعني أنها وصلت إلى طريق مسدود.

هل يمثل التصريح الإسرائيلي إعلان احتلال؟

يعتقد المحلل السياسي حسن النيفي أن ادعاء إسرائيل بأن وجودها في المناطق التي توغلت بها بعد سقوط نظام الأسد في الجنوب السوري لأسباب أمنية لا ينفي حقيقة أنه احتلال، لأنها تسعى للمساومة على انسحابها من تلك المناطق مقابل تنازلات سياسية من سوريا. بينما يختلف الباحث فراس علاوي مع النيفي في هذه النقطة، إذ لا يعتقد أن التصريح الإسرائيلي يمثل إعلانًا عن احتلال. ويوضح أن المفاوضات لا تتعلق بالجولان حتى يمكن القول بوجود احتلال رسمي للمنطقة، وأن الأراضي التي تجري حولها المفاوضات تقع تحت السيادة السورية.

خيارات الرد السوري

أكد الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، صعوبة الحديث عن شرط إسرائيلي بوجود منطقة منزوعة السلاح بالكامل في الجنوب السوري، متسائلًا: "إذا حدثت أي فوضى، فمن سيحمي المنطقة؟". وأضاف الشرع خلال حوار مع صحيفة "واشنطن بوست" نشرت تفاصيله في 12 تشرين الثاني الحالي: "في نهاية المطاف هذه أراض سورية، ويجب أن تتمتع سوريا بحرية التعامل مع أراضيها".

وأشار إلى أن إسرائيل وسعت نفوذها في سوريا، وطردت بعثة الأمم المتحدة واحتلت أراض جديدة، لافتًا إلى أن سوريا لم ترد على أكثر من ألف غارة جوية منذ 8 كانون الأول 2024، لأنها تسعى لإعادة الإعمار. وأوضح الشرع أن سوريا منخرطة في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وقد قطعت شوطًا طويلًا نحو التوصل إلى اتفاق، لكن للتوصل إلى اتفاق نهائي، يجب على إسرائيل الانسحاب إلى حدود ما قبل 8 كانون الأول 2024.

وحول خيارات الرد السوري على التصريح الإسرائيلي بوصول المفاوضات إلى طريق مسدود، يرى المحلل السياسي السوري حسن النيفي أن هناك مسارين أمام الحكومة السورية: الأول عسكري يجبر إسرائيل على الانسحاب من المناطق التي احتلتها، وهو مسار غير متاح حاليًا بسبب عدم تكافؤ القوى. بينما يبقى المسار الثاني هو الخيار الوحيد، والمتمثل في المسار السياسي والدبلوماسي، عبر بناء تحالفات عربية وإقليمية ودولية، وإيجاد مصادر ضغط أممية وعربية للضغط على إسرائيل باستمرار، وكذلك استثمار جميع العلاقات السورية مع الدول الأخرى للدفع باتجاه إيجاد موقف وازن للضغط على إسرائيل.

من جهته، يعتقد الصحفي والباحث السياسي فراس علاوي أن الحكومة السورية تستطيع الضغط في هذا الملف من خلال عدة إجراءات وأوراق تمتلكها، من ضمنها التواصل مع الولايات المتحدة والدفع بالداعمين الإقليميين، خاصة تركيا والسعودية، للعب أدوار أكثر تأثيرًا في مسار المفاوضات. وأضاف أن إحدى أوراق الضغط الأخرى تتمثل في زيارة الوفد العسكري الروسي الأخيرة إلى دمشق، والتي تفتح المجال لاحتمالية الطلب من روسيا التدخل في ملف المفاوضات بالجنوب.

الموقف الأمريكي

أشار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في حديث للصحفيين عقب لقائه الرئيس السوري، أحمد الشرع، في واشنطن، إلى أن الولايات المتحدة تعمل مع إسرائيل بشأن العلاقات مع سوريا، قائلًا: "نحن نعمل أيضًا مع إسرائيل بشأن التوافق مع سوريا والتوافق مع الجميع". من جهته، كشف المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم براك، أن أحد الملفات التي تمت مناقشتها بين وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، ونظيريه السوري أسعد الشيباني والتركي هاكان فيدان، كان إعادة تعريف العلاقات التركية السورية الإسرائيلية.

وقال الرئيس السوري: "أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على ضبط سلوك إسرائيل". وأضاف في حديثه إلى صحيفة "واشنطن بوست": "من الواضح من خلال سياسات ترامب أنه يؤيد استقرار سوريا ووحدتها الإقليمية". كما نشرت وزارة الخارجية السورية، عقب اللقاء بين الرئيسين السوري والأمريكي، بيانًا ذكرت فيه أن اللقاء الذي استمر أكثر من ساعة ناقش عدة ملفات، من ضمنها الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل. وأكد الجانب الأمريكي، بحسب الخارجية، دعمه التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل يهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي.

ويرى المحلل السياسي حسن النيفي أنه لا يمكن اختزال الموقف الأمريكي بالجانب الإعلامي فحسب، بل يجب النظر إلى قدرة الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل للانصياع للتفاوض الأمني مع سوريا. ويعتقد أن إدارة الرئيس الأمريكي لا تمارس ضغوطًا فعلية على إسرائيل حتى الآن، على الرغم من الانفتاح الذي شهدناه من قبلها تجاه دمشق. واعتبر أن هذا الأمر من صميم الاستراتيجية الأمريكية ذات الموقف المزدوج على الدوام حين يتعلق الأمر بإسرائيل، وفق تعبيره.

بينما يعتقد الصحفي والباحث فراس علاوي أن أهداف التصريح الإسرائيلي لا تقتصر على الضغط على الحكومة السورية فقط، بل تشمل أيضًا الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها راعية المفاوضات، ومن هنا تأتي أهمية التصريح كونه جاء بعد التصريحات الأمريكية التي تحدثت عن دعمها للمفاوضات السورية الإسرائيلية.

مشاركة المقال: