الخميس, 12 يونيو 2025 10:45 AM

مؤتمر صوفان يثير جدلاً قانونياً حول إطلاق سراح ضباط النظام: هل تغلب السياسة على العدالة؟

مؤتمر صوفان يثير جدلاً قانونياً حول إطلاق سراح ضباط النظام: هل تغلب السياسة على العدالة؟

الرد القانوني على مؤتمر حسن صوفان

المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد حسن صوفان، رئيس لجنة السلم الأهلي، مع السيد نور الدين البابا، لتوضيح موقف الحكومة من إطلاق سراح عدد من ضباط وجنود النظام السابق، لم يحقق الغاية المرجوة منه، بل زاد من حدة التناقضات واللبس القانوني، ليس فقط لدى المختصين، بل لدى الشعب السوري أيضًا. وقد أعطى المؤتمر انطباعًا بعدم التعامل بعقلية الدولة ومتطلباتها، بل بعقلية الثورة، وهو ما يتنافى مع المرحلة الانتقالية التي تتطلب مؤسسات وقوانين واضحة.

أولًا: إشكالية الإنصاف بين القانون والسياسة

أكد السيد صوفان أن لا وطن بدون عدالة، ولا عدالة بدون إنصاف، مشيرًا إلى دور شخصيات مثل فادي صقر في حل المشكلات. لكن السؤال المطروح هنا: أي إنصاف يُقصد؟ هل هو الإنصاف القانوني أم السياسي أم الشعبي؟

  • الإنصاف القانوني يتطلب محاكمة عادلة، حيث تُطبَّق أصول المحاكمات الجزائية (الدولية والوطنية) التي تقتضي إثبات الجريمة عبر التحقيق، ثم يحكم القاضي بناءً على الأدلة والظروف المخففة أو المشددة، بما في ذلك إمكانية الإعفاء من العقوبة.
  • العفو الرئاسي (الاستئمان) هو صلاحية دستورية بموجب المادة (40) من الإعلان الدستوري، لكنه يجب أن يصدر بعد المحاكمة، احترامًا لمبدأ فصل السلطات (المواد 2، 17، 40). أما العفو غير المعلن أو المُسبق، فهو يُضعف هيبة القضاء وينتهك مبدأ المساواة (المادة 10)، خاصة مع انطباع أن بعض المتهمين فوق المحاسبة.

الأصح قانونيًا: كان على السيد صوفان التمييز بين الوعد بالعفو (كحل سياسي مؤقت) والتطبيق القضائي، مع ضمان محاكمة عادلة حتى لو تزامنت مع إقامة جبرية أو تعاون أمني. هذا كان سيجنب الحكومة انتقادات الانتقائية في تطبيق العدالة.

ثانيًا: الخلط بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي

استشهد السيد صوفان بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وقصص تاريخية لتبرير موقف الحكومة، وهو ما يطرح إشكالية قانونية:

  • الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع (المادة 2 من الدستور)، لكنه ليس بديلًا عن القانون الوضعي. الاجتهاد الفقهي معقد ويحتاج إلى مختصين، بينما الاجتهاد القضائي هو الذي يُطبَّق في المحاكم.
  • الفتوى ليست مصدرًا تشريعيًا ملزمًا، بل رأيًا استشاريًا، ولا يجوز لغير القاضي (أو المشرع) اعتمادها كأساس لقرار رسمي. تصريحات المسؤولين يجب أن تستند إلى النصوص القانونية، لا إلى تفسيرات دينية قد تُفهم بشكل انتقائي.

الخطورة هنا: تحويل النقاش من إطار قانوني إلى إطار ديني قد يُستخدم لتبرير قرارات غير خاضعة للمساءلة، تحت شعار الصلاحيات الواسعة للأمير (كما وُصف الرئيس في المؤتمر)، وهو مصطلح يكرس عقلية الولاء بدلًا عن المؤسسات.

ثالثًا: العدالة الانتقالية بين الشعارات والآليات

أكد السيد نور الدين البابا أن هدف العدالة الانتقالية هو المحاكمة العادلة، بينما ركز السيد صوفان على كشف الحقائق وحقن الدماء. لكن المؤتمر لم يوضح:

  • أي آلية قانونية لكشف الحقائق (مثل لجان تقصٍّ مستقلة).
  • كيف ستتم محاسبة المتورطين دون المساس بحقوق الضحايا؟
  • هل سيُعتمد نموذج المصالحة أم المحاكمات؟

المطلوب: إعلان خطة واضحة تدمج بين:

  • القضاء: محاكمات علنية.
  • العدالة الانتقالية: تعويض الضحايا وجبر الضرر.
  • السلم الأهلي: ضمان عدم انتقامية الإجراءات.

رابعًا: عقلية الدولة / عقلية الثورة

أبرز المؤتمر تناقضًا صارخًا بين الخطاب الرسمي والممارسة:

  • عقلية الثورة: تتجلى في استخدام مصطلحات مثل الأمير والشيخ للإشارة إلى الرئيس، وهو خطاب يخلط بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية.
  • عقلية الدولة: تتطلب التزامًا بالمؤسسات والدستور، واحترامًا للسلطة القضائية كجهة مستقلة، لا كأداة لتبرير القرارات السياسية.

الخطر: استمرار هذا النهج يُضعف ثقة الشعب ويُهدد السلم الأهلي، خاصة مع تصاعد مخاوف من إفلات المجرمين من العقاب مقابل تجاهل مطالب الضحايا.

الخاتمة: نحو عدالة تحفظ الحقوق وتُعزز السلم الأهلي

الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة يتطلب:

  • الوضوح القانوني: عدم الخلط بين العفو السياسي والمحاكمة العادلة.
  • المؤسسية: احترام فصل السلطات واستقلال القضاء.
  • الشفافية: كشف آليات العدالة الانتقالية وإشراك الضحايا في صياغتها.
  • الخطاب الوطني: التوقف عن استخدام الرموز الدينية أو الثورية لتعويض الفراغ التشريعي.

الشعب السوري، الذي قدّم نموذجًا نادرًا في سلمية الثورة، يستحق دولة تقوم على القانون، لا على الاجتهادات الشخصية أو التوازنات السياسية الهشة.

الدكتور في القانون عمر اليوسف - زمان الوصل

مشاركة المقال: