الإثنين, 13 أكتوبر 2025 05:35 PM

ما دوافع الحشود العسكرية الأميركية قرب فنزويلا وما التداعيات المحتملة؟

ما دوافع الحشود العسكرية الأميركية قرب فنزويلا وما التداعيات المحتملة؟

بقلم: حسن حردان

ما الأسباب الكامنة وراء التعزيزات العسكرية الأميركية على حدود فنزويلا، تحت ستار مكافحة تهريب المخدرات؟ هل هو تكتيك قديم متجدد لزعزعة استقرار فنزويلا بهدف تغيير نظام الحكم؟ وهل الغاية هي استعادة الشركات الأميركية السيطرة على حقول النفط الفنزويلية، وبالتالي أكبر احتياطي نفطي في العالم؟ وهل تندرج هذه الأهداف الأميركية ضمن مساعي واشنطن لحل أزماتها الاقتصادية والمالية من خلال الاستيلاء على ثروات الشعوب واستغلالها، بما فيها ثروات فنزويلا؟ وأخيراً، هل سيؤدي هذا التصعيد العسكري الأميركي إلى نشوب حرب وتورط أميركا في حرب استنزاف كبيرة، خاصة وأن فنزويلا قد استعدت عسكرياً وسلحت شعبها لمواجهة أي احتمال لغزو أميركي؟

هذه التساؤلات وغيرها تفرض نفسها بإلحاح على خلفية الحشود العسكرية الأميركية حول فنزويلا، والتي تتجاوز ما تدعيه واشنطن من أن هدفها هو محاربة تجارة المخدرات.. ولكن في الواقع، هناك أبعاد استراتيجية وسياسية واقتصادية أعمق وراء هذا الحشد العسكري.

وبالنظر إلى هذه الأبعاد والأهداف والتداعيات المحتملة، يمكن تسجيل الآتي:

أولاً، الأهداف الحقيقية للحشود العسكرية الأميركية:

تتعدى التفسيرات الشائعة للحشود العسكرية الأميركية مجرد مكافحة المخدرات لتشمل أهدافاً جيوسياسية واقتصادية:

  • الهدف الأول، العمل لتغيير نظام الحكم الفنزويلي، من خلال:
    1. محاولة نزع الشرعية عن حكم الرئيس مادورو: تعتبر واشنطن أن هدفها هو نزع الشرعية عن حكومة الرئيس نيكولاس مادورو وتحويل الصراع السياسي إلى قضية جنائية (حيث وجهت وزارة العدل الأميركية اتهامات لمادورو بالتورط في تهريب المخدرات). وذلك بهدف تبرير اتخاذ إجراءات عقابية وتصعيد الضغط، بما في ذلك التلويح بالتدخل العسكري.
    2. عزل فنزويلا: يهدف الحشد العسكري إلى ممارسة أقصى درجات الضغط ضمن “حرب هجينة” لمنع انضمام فنزويلا بشكل كامل، إلى التحالف الروسي الصيني الإيراني المناهض لهيمنة للولايات المتحدة الأميركية.
  • الهدف الثاني، استعادة السيطرة على ثروات النفط:
    • تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم. ولهذا يجمع الخبراء والمحللون على أن الهدف الحقيقي والاستراتيجي يكمن في استعادة السيطرة على هذه الموارد الحيوية، وتأمين احتياجات السوق الأميركية، وفتح المجال أمام الشركات الأميركية لاستغلال الثروة النفطية كما في السابق.
    • إن السيطرة على النفط الفنزويلي أو التأثير عليه يمنح واشنطن نفوذاً كبيراً في أسواق الطاقة العالمية.
  • الهدف الثالث، تصدير أزمات أميركا:
    • توظيف سياسي داخلي: يرى بعض المنتقدين أن إدارة ترامب تسعى لاستغلال القضايا الخارجية المتوترة، مثل “الحرب على المخدرات”، لتعزيز صورتها الداخلية أمام الناخبين أو لتشتيت الانتباه عن أزمات داخلية أخرى، وهو ما يُعرف بـ “تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج”.
    • اختبار السلطات: هناك من يرى في قصف القوارب المشتبه بها محاولة لاختبار وتوسيع نطاق السلطات الرئاسية.

ثانياً، التداعيات المحتملة:

تثير التوترات الحالية مخاوف من الانزلاق إلى صراع مسلح مفتوح، على الرغم من أن بعض الخبراء يستبعدون الغزو المباشر:

  • التداعيات الاقتصادية: تهديد أسواق النفط: أي مواجهة عسكرية مباشرة أو فرض حصار بحري من شأنه أن يؤدي إلى إغلاق الموانئ النفطية الفنزويلية أو توقف الإنتاج بشكل أكبر. ونظراً لأهمية فنزويلا كدولة نفطية، فإن هذا التصعيد يهدد باضطراب أسواق النفط العالمية وارتفاع الأسعار بشكل كبير.
  • احتمال الغزو والتورط في حرب استنزاف:
    • أعلن الرئيس مادورو التعبئة العامة للقوات المسلحة وتشكيل ميليشيات شعبية (القوات الشعبية البوليفارية) لمواجهة أي غزو محتمل، مؤكداً أن بلاده ستدخل “مرحلة من الكفاح المسلح” في حال تعرضت لأي غزو أميركي.. لذلك إذا تطور الحشد العسكري إلى تدخل عسكري محدود او واسع، فإنه ينطوي على مخاطر عالية، لا سيما أن العقيدة الدفاعية الفنزويلية قد تحوّل أي تدخل إلى حرب استنزاف طويلة ومكلفة للولايات المتحدة.
    • الفوضى الإقليمية: قد يؤدي الصراع إلى فوضى إقليمية، وتدفق ملايين اللاجئين، واشتعال الحدود مع دول الجوار مثل كولومبيا.

ثالثاً، محاولة استنزاف روسيا والصين في أميركا الجنوبية:

من المعروف أن فنزويلا تحظى بدعم واضح من حلفائها مثل روسيا والصين وإيران. أي مغامرة عسكرية قد تحوّل الأزمة إلى اختبار مباشر بين القوى الكبرى، ما يزيد من كلفة ومخاطر أي عمل عسكري مباشر. يرى بعض الخبراء أن الضغط على فنزويلا يستهدف أيضاً محاولة لـ “استنزاف” القدرات الروسية والصينية في أميركا اللاتينية.

باختصار، بينما تزعم واشنطن أن هدفها هو مكافحة المخدرات (وتتهم مادورو بإدارة “كارتل إرهاب مخدرات”)، تؤكد كل المعطيات أن الأهداف الحقيقية إنما هي محاولة تغيير النظام، والسيطرة على احتياطيات النفط الهائلة التي تحوز عليها فنزويلا، وممارسة الضغط الجيوسياسي في إطار استراتيجيتها الأوسع لإعادة تكريس نفوذها وهيمنتها في أميركا الحنوبيا واستطرادا على الصعيد الدولي… لكن يبقى الاحتمال الأكبر هو استمرار المواجهة المحدودة (كتنفيذ ضربات على قوارب تهريب مزعومة، ومحاولة إثارة اضطرابات داخلية عبر جهات تموّلها الاستخبارات الأميركية ) دون الانزلاق إلى غزو شامل، نظراً للتداعيات السلبية والمخاطر التي ستواجهها القوات الأميركية.

(أخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: