الجمعة, 25 أبريل 2025 01:45 PM

ما وراء البطولة الزائفة: قراءة في مفهوم البطولة المعاصرة وتجلياته في السياسة والمجتمع

ما وراء البطولة الزائفة: قراءة في مفهوم البطولة المعاصرة وتجلياته في السياسة والمجتمع

يذهب خطيب بدلة إلى الاعتقاد بأن مفهوم البطولة هو الأكثر حاجة للمراجعة في لغتنا المعاصرة، إذ يبدو أنه يصلح للخطابة الإنشائية واستدرار التصفيق أكثر من قراءة الواقع. لقد ولّت صورة البطل المغوار الذي لا يقهر، وذلك لأن "موضة" المعارك التي كان يبرز فيها هذا النمط من الأبطال قد انتهت.

لكن شعبنا ما زال يحمل عقلية الماضي، ويصر على استرجاع ملامح البطولة الغابرة في حكاياته وأشعاره وأغانيه وأمثاله الشعبية. نرى القادة المعاصرين، الذين يفتقرون إلى الشرعية الدستورية، والذين وصلوا إلى السلطة بانقلابات عسكرية أو تفاهمات دولية، يستجدون صورة البطل الغابر. يظهر الواحد منهم ممتطيًا ظهر حصان، كما فعل باسل الأسد عندما كان والده يمهد الطريق لتحويل سوريا إلى جمهورية وراثية. باسل استمرأ الحكاية، فأقام لفروسيته مهرجانًا، ورسم له مرافقوه سيناريو مسابقة يفوز فيها حتمًا، حتى لو اضطر لسجن منافسه، ليحصل على لقب "الفارس الذهبي".

من يريد أن يتعلم من هذا التزييف، يجب أن يتساءل عن السبب الذي جعل باسل يموت وهو يقود سيارته بسرعة على طريق المطار، بدلًا من أن يموت على ظهر حصانه. الرئيس العراقي صدام حسين امتطى الحصان أيام غزو الكويت، رغم أن جيشه غزا الكويت بالأسلحة الحديثة. وعندما غاب عن الساحة الإعلامية، خرج على شعبه وهو يحمل البارودة الكلاشينكوف بيد واحدة ويطلق النار في الهواء.

هذه الإيحاءات تكفي لإقناع الناس السذج بأن صدام بطل مغوار. ولكن بالنظر إلى نتائج المعارك التي خاضها، والتي كلفت الشعب العراقي عشرات الآلاف من الشهداء ومئات المليارات من الدولارات، يصاب المرء بخيبة أمل مريرة، بدءًا من الحرب مع إيران التي لم يربحها أي من الطرفين، ثم غزو الكويت الذي أدى إلى هزيمته وتدمير جزء كبير من جيشه في عام 1991. جورج دبليو بوش، رئيس أمريكا، تذرع بأحداث أيلول 2001 واعتدى على سيادة العراق، مما أدى إلى إسقاط نظام صدام حسين "البطل".

إذًا، من هو البطل الحقيقي؟ البطولة تكمن في أشخاص لا أسماء لهم ولا رتب، ولا يتمتعون بأي نوع من الأهمية. البطلة هي المرأة التي مات زوجها في الحرب فخرجت تعمل في البيوت لتطعم أطفالها. والبطل هو الرجل الذي سمع أصوات مسلحين يعتدون على جاره الأعزل فخرج يتصدى لهم وتعرض للضرب والإهانة. والبطل هو الرجل الذي خبأ جاره في حرب إبادة وأطعمه وطمأنه.

قال نزار قباني: إذا خسرنا الحرب لا غرابة / لأننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة / بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة.

مشاركة المقال: