دمشق-سانا: استضاف المركز الثقافي في المزة محاضرة بعنوان "من ذاكرة دمشق"، قدمها الباحث والمؤرخ في تراث دمشق، عماد الأرمشي، وأدارها الدكتور أنس تللو. استعرض الأرمشي خلال المحاضرة مسيرة دمشق التاريخية والاجتماعية في العصر الحديث، مع التركيز على التغيرات العمرانية التي شهدتها المدينة على مدى العقود الستة الماضية. اتسمت المحاضرة بطابع التوثيق الشخصي الذي كرّس له الأرمشي سنوات من حياته، مسجلاً أحداث المدينة وتحولات أحيائها وأريافها خلال فترة "النظام البائد"، مما أضفى عليها قيمة إضافية كشهادة حية على ذاكرة دمشق وتاريخها الحديث.
أحياء دمشق تحت وطأة التغيير
بدأ الأرمشي حديثه بذكريات طفولته في حي المزة، مستعرضاً التحولات العمرانية التي أدت إلى زوال بساتينه وإلغاء الترام الكهربائي الصديق للبيئة، بالإضافة إلى توقف قطار الخط الحجاز. وأعرب عن أسفه لما لحق بأحياء مثل ساروجة والميدان من تشويه وطمس لمعالمها التراثية نتيجة "الفساد والإهمال". كما تناول تأثير مخططات الفرنسي "إيكوشار"، الذي استعانت به سلطات البعث في ستينيات القرن الماضي، لتغيير البنية العمرانية في دمشق، وما تلاها في ثمانينيات القرن الماضي من إعادة تخطيط عمراني، حيث تم تقسيم المدينة وتشويه أحيائها وطمس معالمها المعمارية التراثية، مما أدى إلى هدم العديد من المباني التاريخية وتحويل مناطق واسعة لأغراض خاصة، وفقدان الهوية المعمارية التراثية للمدينة وطبيعة ريفها المجاور.
مشاريع التنمية وانحسار المساحات الخضراء
أشار الأرمشي إلى فقدان العديد من القصور والبيوت الدمشقية الأصيلة على يد من وصفهم بـ "المخربين" في عهد "النظام البائد" تحت ستار "مشاريع التنمية" غير المدروسة، والتي خلفت الخراب والتشويه في معظم معالم المدينة العريقة. كما استعرض التجاوزات التي طالت مناطق مثل العدوي وكيوان، اللتين كانتا تمثلان رئة خضراء للمدينة، مشيراً إلى الخطط العمرانية المتسرعة التي لم تراعِ الجوانب البيئية والأثرية، وخلفت أضراراً على البيئة والنسيج العمراني، داعياً إلى تلافي هذه الأخطاء وعدم السماح بأي تعدٍ على المساحات الخضراء المتبقية في دمشق وريفها.
مشروع موسوعي لتوثيق دمشق
في تصريح لمراسل سانا، كشف الأرمشي عن عمله، بمساعدة عدد من المتطوعين، على إعداد موسوعة توثق تاريخ دمشق، وقد أنجز منها حتى الآن حوالي 40% من تراث المدينة، من خلال أكثر من 22 عاماً من الجهد المتواصل دون دعم رسمي أو خاص. وأوضح أن الموسوعة الإلكترونية تتضمن صوراً دقيقة وخرائط تفصيلية، معرباً عن أمله في أن تتبنى المؤسسات السورية هذا المشروع حفاظاً على الذاكرة الوطنية ونداءً للحفاظ على التراث الدمشقي.
اختتمت الندوة بدعوات من الحضور للتأكيد على أهمية الحفاظ على تراث دمشق الثقافي والحضاري، وتحميل المؤسسات الأكاديمية والإعلامية والثقافية مسؤولية إبراز قيمة المدينة والدعوة للاستثمار في تاريخها وحمايته من الاندثار.
نبذة عن الباحث
عماد الأرمشي من مواليد دمشق عام 1951، نشأ في حي ساروجة، وتخرج في قسم التاريخ بجامعة دمشق عام 1977. عمل في أوروبا ثم الإمارات في مجال النفط، قبل أن يكرس وقته منذ عام 2003 للبحث والتوثيق التاريخي المصور لمدينة دمشق، حيث يمتلك أرشيفاً نادراً من الصور والمعلومات لم ينشر منه سوى جزء يسير عبر وسائل التواصل الاجتماعي.