الخميس, 24 أبريل 2025 03:12 AM

محطة الحجاز بدمشق: من رمز تاريخي إلى مشروع ثقافي واعد بعد الثورة

دمشق-سانا تُعد محطة الحجاز في دمشق معلمًا بارزًا يشهد على عظمة التاريخ السوري وتنوع إرثه الحضاري. تأسست المحطة بأمر من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عام 1900، وشهدت انطلاق أول رحلة حج منها إلى المدينة المنورة عام 1908، قاطعة 1320 كم في 5 أيام.

صمم المحطة المعماري الإسباني فرناندو دي أرنادا كجزء من خط سكة حديد الحجاز الذي ربط دمشق بالمدينة المنورة، لتصبح رمزًا للتواصل الثقافي والاقتصادي بين بلاد الشام والحجاز، ومحفورة في ذاكرة السوريين كإنجاز هندسي يجمع بين الأصالة العثمانية والتأثيرات الأوروبية.

اليوم، وبعد عقود من الإهمال، تلوح فرص جديدة لإحياء هذا الصرح، خاصة بعد انتصار الثورة السورية وسقوط نظام الأسد، الذي حول المحطة إلى أثر مهمل.

رمزية تاريخية وحضارية متجذرة

كانت محطة الحجاز شريانًا حيويًا للحجاج والتجار، وساهمت في تعزيز التبادل الثقافي والديني في المشرق العربي. لم تكن مجرد ممر للقطارات، بل تحولت إلى أيقونة للوحدة الإسلامية والعربية، واستقبلت زوارًا من مختلف الأقطار، من بينهم قادة ومفكرون مثل الشريف حسين بن علي وكبار المثقفين في عصر النهضة. لم تكن المحطة بناءً حجريًا فحسب، بل كانت جسرًا للقيم الإنسانية والاقتصادية.

إرث معماري يستحق التكريم

تميزت المحطة بتصميمها الفريد الذي يمزج بين الطراز العثماني التقليدي واللمسات الأوروبية الحديثة. تزين واجهتها أقواس حجرية منحوتة، ونوافذ خشبية مطعمة بالزجاج الملون، إلى جانب برج الساعة الشهير الذي ما زال صامدًا كشاهد على العصر. تضم قاعة الانتظار الرئيسية زخارف جصية نادرة تروي حكايات الحقبة التي شيدت فيها، ما يجعل من التفاصيل الدقيقة في المحطة شاهدًا على براعة الحرفيين السوريين الذين شاركوا في بنائها.

عقود من الإهمال.. جرح في الذاكرة

تحولت المحطة خلال حكم عائلة الأسد إلى مثال صارخ لإهمال النظام للتراث السوري. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، تدهورت حالتها المعمارية بسبب غياب الصيانة، وتحولت أجزاء منها إلى مستودعات متهالكة، بينما طمرت التفاصيل الزخرفية تحت طبقات من الغبار والأتربة. رفض النظام تمويل مشاريع ترميمها، وحاول طمس معالمها كجزء من سياسة تهميش الهوية السورية الأصيلة.

مشروع سياحي توقف عند أبواب الحرب

قبيل اندلاع الحرب عام 2011، تم الإعلان عن مشروع سياحي ضخم لإحياء المحطة، يشمل تحويلها إلى مجمع ثقافي يحتضن متاحف لعرض تاريخ السكك الحديدية، ومراكز للإبداع الفني، وأسواقًا تقليدية. ولكن المشروع توقف مع تصاعد العنف، لتبقى المخططات حبيسة الأدراج، وتتحول الأحلام الاقتصادية إلى ركام أمام العجز عن حماية التراث.

ما بعد التحرير.. إعادة كتابة التاريخ

مع انتصار الثورة السورية، تبرز اليوم رؤى طموحة لاستعادة المحطة كجوهرة سياحية وثقافية، ومن هذه الرؤى إنشاء متحف تفاعلي يوثق تاريخ خط الحجاز، وفضاءات لإقامة المهرجانات الدولية، وفنادق تراثية تدمج بين الحداثة والأصالة. يمكن دمج المحطة في مسارات السياحة الدينية، وإحياء القطار التاريخي الذي يسير بين دمشق ودرعا. استثمار المحطة سيوفر فرص عمل ويدعم الاقتصاد الوطني، وخاصة مع عودة السياحة العالمية إلى سوريا.

لا شك أن التعاون مع منظمات دولية مثل اليونسكو يتيح لمحطة الحجاز أن تعود منارة للثقافة، وشاهدًا على انتصار إرادة الشعب السوري في الحفاظ على هويته. محطة الحجاز ليست مجرد بناء، بل قصة شعب يرفض الاندثار، ويسعى لبناء مستقبل يليق بتضحياته.

مشاركة المقال: