الأحد, 18 مايو 2025 02:57 PM

مرسوم رئاسي يمهد لرفع الحجز الاحتياطي عن آلاف السوريين: هل تعود الحقوق لأصحابها؟

مرسوم رئاسي يمهد لرفع الحجز الاحتياطي عن آلاف السوريين: هل تعود الحقوق لأصحابها؟

عنب بلدي – جنى العيسى

بموجب مرسوم رئاسي حمل الرقم “16” لعام 2025، ألغى الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قرارات الحجز الاحتياطي المفروضة على سوريين بين عامي 2012 و2024، الصادرة عن وزارة المالية بموجب توجيهات الأجهزة الأمنية والمستندة لأحكام المرسوم التشريعي رقم “63” لعام 2012.

المرسوم كلّف وزارة المالية، بالتنسيق مع وزارتي العدل والداخلية، باتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتسريع إجراءات رفع الحجز. وزير المالية، محمد يسر برنية، قال في تصريح صحفي، في 12 من أيار، إن قرارات الحجز استندت إلى توجيهات جائرة من قبل أجهزة أمنية ولم تستند إلى إجراءات وأحكام قضائية، وصدرت بحق مواطنين نتيجة مواقفهم الداعمة للثورة السورية. وفق تصريح الوزير، فقد حرمت هذه القرارات أكثر من 91,000 مواطن سوري من ممتلكاتهم وأصولهم.

عقب يوم على إصدار المرسوم، اجتمع كل من وزير العدل، مظهر الويس، والداخلية، أنس خطاب، ووزير المالية، محمد يسر برنية، لبحث الآليات المناسبة والإجراءات التنفيذية لرفع قرارات الحجز الاحتياطي وتعديلاتها الصادرة عن وزارة المالية. الاجتماع خلص إلى اتفاق الوزارات الثلاث على تشكيل اللجان التخصصية اللازمة من الجهات ذات العلاقة، للبدء بإعداد قوائم بأسماء المحجوز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة، وفرزها ومعالجتها.

وبعد سقوط النظام المخلوع، عادت قضية الممتلكات المسلوبة إلى الواجهة، طارحة تساؤلات حول كيفية استردادها بعد سنوات من السيطرة غير المشروعة عليها من قبل أفراد وكيانات مرتبطة بالنظام السابق، والإجراءات القانونية اللازمة لضمان عودة الحقوق لأصحابها.

لأسباب سياسية لا مالية

منذ بداية عام 2011، أصدرت حكومة النظام السوري السابق مجموعة من القوانين والمراسيم التشريعية المتعلقة بحقوق الملكية، كان لها تأثير على السوريين الموجودين داخل وخارج البلاد، كما شملت الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمعارضين سياسيين أو متعاطفين مع الثورة السورية من فنانين ومثقفين وتجار، وُجّهت إليهم تهم دعم ما يسمى بـ”الإرهاب”.

ونص قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19” لعام 2012، في المادة “12” منه، على أنه: “في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها، والأشياء التي استُخدمت أو كانت معدّة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها”.

تُجرى قرارات الحجز الاحتياطي لأسباب عدة، منها ما هو مالي، وأخرى سياسية اختلقها النظام لمعاقبة معارضيه. للتمييز بين القرارات الصادرة لأسباب سياسية أو مالية، قال المحامي السوري، غزوان قرنفل، لعنب بلدي، إن القرار دائمًا يكون معللًا ومبنيًا على سند قانوني بالإضافة إلى جهة إصداره، فقرارات الحجز الاحتياطي المتعلقة بنزاعات مالية صرفة يكون مصدر القرار هو القضاء، أو استثناءً وزارة المالية، لكن لسبب متعلق بنزاع مالي صرف. أما القرارات الأخرى، فيكون مصدرها إما قضائيًا كمحكمة الإرهاب، أو أمنيًا.

وأوضح المحامي، عارف الشعال، لعنب بلدي، أن المرسوم رقم “63” لعام 2012 حصر قرارات الحجز الاحتياطي بالأسباب الأمنية، إذ تصدر وزارة المالية قرارها بإلقاء الحجز الاحتياطي بناءً على كتاب من قاضي التحقيق أو النيابة العامة أو من المؤسسات الأمنية أو المحاكم. أما إذا كانت الأسباب مالية، فيصدر قرار الحجز استنادًا إلى قانون جباية الأموال العامة، بحسب الشعال.

تحتاج لوقت

حول آلية رفع الحجز والمدة التي تستغرقها هذه الإجراءات، أوضح المحامي غزوان قرنفل أنه عند صدور قرار بإلغاء قرار الحجز، يتم تسطير كتاب موجّه إلى السجل العقاري أو إلى جهات أخرى (المالية، السجل المؤقت، سجلات الجمعيات السكنية أو الإسكان العسكري)، بترقين إشارة الحجز الملقاة على أموال الشخص، ويمكن لكل متضرر أن يحصل بذاته على نسخة عن القرار والكتاب ليراجع تلك الجهات بنفسه لإتمام إجراءات ترقين الإشارة.

أما إذا كان الحجز واقعًا على أموال منقولة، يمكن للشخص مراجعة مديريات التنفيذ لتنظيم محضر ضبط بإلغاء الحجز على تلك المنقولات، بحسب ما أوضح قرنفل.

بدوره، أشار المحامي عارف الشعال إلى أن إجراءات رفع الحجز ستحتاج إلى الكثير من العمل والوقت، وذلك بسبب قرارات اتخذها النظام السابق على مدار أكثر من عشر سنوات متتالية، ونظرًا للكم الكبير من الحجوزات، يعتقد المحامي أن احتمال حدوث الأخطاء وارد جدًا، لذا من الأفضل أن يقوم المحجوز على أمواله بمعاملته بنفسه، وفق رأيه.

مصادرة أم استرجاع؟

المحامي غزوان قرنفل، اعتبر أن إلغاء مفاعيل قرارات الحجز يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحجز، وبالتالي تتحرر أموال المحجوز عليه، ويكون الشخص حر التصرف بها. فيما أشار المحامي عارف الشعال إلى أن مسألة عودة الأموال المحجوز عليها أو المجمدة لأسباب أمنية، بموجب قرارات قضائية، دون وجود ملكيات، يلزمها قانون يعيد هذه الأموال إلى أصحابها.

العديد من المنظمات الحقوقية أكدت أن سياسة الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة من قبل النظام السوري كانت أحد أبرز الأساليب الفعالة التي كان يستخدمها كأداة لتحقيق موارد مالية إضافية لخزينته، من خلال الاستيلاء على الأموال المشمولة بالحجز والتصرف بها فيما بعد، وكعقوبة ضد معظم من عارضه وعائلاتهم، عبر تطبيق مزيد من التضييق والقيود القانونية والاجتماعية والاقتصادية ضدهم.

تستند جميع قرارات “الحجز الاحتياطي” التي جرى تحليلها إلى “قانون سلطات الضابطة العدلية” في سوريا (المرسوم التشريعي 63 لعام 2012)، والذي يخول وزارة المالية تجميد أصول الأشخاص تحفظيًا ودون أمر من المحكمة، بناءً على طلبات من سلطات الضابطة العدلية حتى انتهاء التحقيق في “الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي أو الخارجي”، والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب التعسفي في سوريا لعام 2012.

وتُظهر الوثائق الخاصة بقرارات الحجز الاحتياطي الصادرة عن النظام السوري، التي تحتفظ “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بنسخ عنها، أن المعتقلين تعسفيًا، والمختفين قسريًا في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام، والمشردين قسريًا داخل وخارج سوريا، من أوسع وأبرز المتأثرين بقرارات الحجز الاحتياطي التي تتحول في معظمها إلى قرارات حجز تنفيذي ومصادرة فيما بعد.

مشاركة المقال: