الأحد, 27 يوليو 2025 08:34 AM

مشاريع دمشق الضخمة تثير الجدل: هل هي رؤية قاصرة أم توجه متعمد نحو المركزية؟

مشاريع دمشق الضخمة تثير الجدل: هل هي رؤية قاصرة أم توجه متعمد نحو المركزية؟

أثار الإعلان عن مشاريع استثمارية ضخمة في دمشق خلال فعاليات منتدى الاستثمار السوري / السعودي، الذي شهد توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات، جدلاً واسعاً. هذه المشاريع، التي تشمل بناء ناطحات سحاب، ومترو حديث، ومطارات، ومدن طبية وثقافية وترفيهية، تتركز جميعها في محافظة دمشق.

المهندس نضال رشيد بكور يرى أن هذا التركيز، رغم أهميته كمؤشر على تعافٍ اقتصادي وجذب للاستثمارات العربية، يثير تساؤلات حول العدالة التنموية والتوازن الاقتصادي والاجتماعي في سوريا. غياب التوازن الجغرافي وتكثيف الاستثمارات في دمشق يعيد إنتاج المركزية المفرطة، ويتجاهل خارطة تنمية وطنية شاملة.

مدن مثل حلب، حمص، دير الزور، اللاذقية، وحماه لم تحظَ باهتمام استثماري مماثل، رغم إمكانياتها الزراعية والصناعية والسياحية. اللافت أن حلب قدمت عروضاً ودراسات حول فرص استثمارية متاحة، لكنها لم تُترجم إلى مشاريع فعلية، على عكس دمشق التي حصدت عشرات المشاريع.

هذا التجاهل يُنذر بتهميش اقتصادي طويل الأمد لملايين السوريين في الأرياف والمحافظات البعيدة. حصر فرص العمل والتطوير العمراني في دمشق سيؤدي إلى نزوح داخلي، مما يفاقم الضغط على خدمات العاصمة ويخلق بيئة مكتظة ومهددة بيئياً واجتماعياً، ويتسبب في اتساع الفجوة بين "سوريا العاصمة وسوريا الأطراف".

في الأنظمة اللامركزية، كالإمارات، تمتلك كل إمارة صلاحيات واسعة في المجال الاقتصادي والتنموي. أما في النظام الجمهوري المركزي في سوريا، فالقرار الاستثماري ومصادر التمويل محصورة بيد الحكومة المركزية، مما يعقّد تحقيق تنمية متوازنة.

الغموض الذي يحيط بتمويل هذه المشاريع وطبيعة الشراكة فيها يثير مخاوف المستثمرين الأجانب ويقوض ثقة الشارع، ويشير إلى غياب رؤية تنموية حقيقية واستمرار سياسة رد الفعل بدلاً من التخطيط الاستراتيجي.

المطلوب هو إطلاق خطة استثمار وطنية شاملة تُوزّع المشاريع وفق أولويات المحافظات وتربط التنمية بالبنى السكانية والاجتماعية، وتُدار بشفافية وشراكة حقيقية مع المجتمع المحلي. من الضروري إعادة النظر في العلاقة بين المركز والمحافظات، بما يتيح لكل منطقة هامشاً من الاستقلالية الاقتصادية والتنفيذية.

في ظل النظام الجمهوري المركزي، لا يمكن لهذا النموذج أن ينجح إلا بدعم مباشر من الحكومة المركزية من حيث التمويل والتشريع والتسهيل الإداري. المركز يجب أن يكون شريكاً وداعماً لرؤية تنموية وطنية تشاركية تشمل كل الجغرافيا السورية.

يثار تساؤل حول عدم إرفاق هذا الانفتاح الاستثماري السعودي بوديعة نقدية في البنك المركزي السوري، كما حدث في حالات مماثلة في مصر. الوديعة النقدية أداة فورية لتعزيز الثقة ودعم سعر الصرف، بينما تحتاج الاستثمارات لسنوات كي تؤتي ثمارها. غياب هذا الدعم العاجل يطرح تساؤلات حول مدى النضج والثقة في الشراكة الاقتصادية الحالية.

دمشق تستحق النهوض، لكن لا يمكن لبلد أن يتعافى ببناء "عاصمة مثالية" وترك باقي جغرافيته تتخبط في التهميش والفقر. العدالة في توزيع التنمية هي الضامن الوحيد لنمو مستدام واستقرار حقيقي. بناء الاقتصاد على نموذج مركزي هش قد يقود إلى نهوض شكلي تعقبه أزمات أعمق. فسورية لكل أبنائها، لا لعاصمتها فقط.

مشاركة المقال: